شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت ... " . مع ذكر الرضا والاحتجاج به . حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد : فإننا في آخر ركن من أركان الإيمان التي بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ) وذكرنا أن الإيمان بالقدر لابد فيه من الإيمان بمراتب أربع الإيمان بعلم الله والإيمان بكتابة الله والإيمان بمشيئة الله والإيمان بخلق الله
وقوله عليه الصلاة والسلام ( خيره وشره ) الخير ما ينتفع به الإنسان ويلائمه من علم نافع ومال واسع طيب وصحة وأهل وبنين وما أشبه ذلك والشر ضد ذلك من الجهل والفقر والمرض وفقدان الأهل والأولاد وما أشبه هذا فكل هذا من الله عز وجل كل هذا من الله سبحانه وتعالى لا الخير ولا الشر فإن الله سبحانه وتعالى يقدر الخير لحكمة ويقدر الشر لحكمة كما قال تعالى (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون )) فإذا علم الله أن من الخير والحكمة أن يقدر الشر قدره لما يترتب عليه من المصالح العظيمة كقوله تعالى (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ))
فإذا قال قائل كيف تجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام ( تؤمن بالقدر خيره وشره ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( والشر ليس إليك ) فنفى أن يكون الشر إليه فالجواب على هذا أن نقول إن الشر المحض لا يكون بفعل الله أبدا الشر المحض الذي ليس فيه خير لا حالا ولا مآلا هذا لا يمكن أن يوجد في فعل الله أبدا هذا من وجه لأنه حتى الشر الذي قدره الله شرا لابد أن يكون له عاقبة حميدة ويكون شرا على قوم وخيرا على آخرين أرأيت لو أنزل الله المطر مطرا كثيرا فأغرقت زرع إنسان لكنه نفع الأرض وانتفع به أمة لكان هذا خيرا بالنسبة لمن انتفع به شرا بالنسبة لمن تضرر به فهو خير من وجه وشر من وجه
ثانيا حتى الشر الذي يقدره الله على الإنسان هو خير في الحقيقة لأنه إذا صبر واحتسب الأجر من الله نال بذلك أجرا أكثر بأضعاف مضاعفة مما ناله من الشر ولهذا ذكر عن بعض العابدات أنه أصيبت في أصبعها أو يدها فانجرحت فصبرت شكرت الله على هذا وقالت " إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها " ثم نقول إن الشر في الحقيقة ليس في فعل الله نفسه بل في مفعولاته المفعولات هي التي فيها خير وشر أما الفعل نفسه فهو خير ولهذا قال الله تعالى (( قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق )) أي من شر الذي خلقه الله فالشر إنما يكون في المفعولات لا في الفعل نفسه أما فعل الله فهو خير ويدلك لهذا أنك لو كان عندك مريض وقيل له إن من شفائه أن تكويه بالنار فكويته بالنار فالنار مؤلمة لاشك لكن فعلك هذا ليس بشر خير للمريض لأنك إنما تنتظر عاقبة حميدة لهذا الكي كذلك فعل الله للأشياء المكروهة والأشياء التي فيها شر هي بالنسبة لفعله وإيجاده خير لأنه يترتب عليها خير كثير
فإن قال قائل كيف تجمع بين هذا وبين قوله تعالى (( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) فالجواب أن نقول (( ما أصابك من حسنة فمن الله )) يعني من فضله هو الذي منّ عليك بها أولا وآخرا (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) يعني أنت سببها أنت السبب وإلا فالذي قدرها هو الله لكن أنت السبب كما في قوله تعالى (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) وخلاصة الكلام أن كل شيء واقع فإنه بقدر الله سواء كان خيرا أم شرا فأما الخير فأمره واضح ووجه واضح أنه من الله وأما الشر فإننا نقول إن الشر ليس في فعل الله ولكن في مفعولاته ونقول أيضا هذه المفعولات التي فيها الشر قد تكون خيرا من وجه آخر إما للشخص المصاب بها نفسه وإما لغيره فمثلا إذا نزل المطر وأتلف زرع إنسان ولكنه نفع الأمة فهنا صار شرا على شخص ولكنه خير كثير بالنسبة للآخرين أو نقول أيضا هو شر لك من وجه وخير لك من وجه آخر لأن هذا الشر الذي أصابك لك فيه أجر كثير وربما يكون سببا لاستقامتك ولمعرفتك قدر نعمة الله عليك فتكون العاقبة حميدة والله الموفق
الطالب : جزاك الله خير
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق حديث عمر : " قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " رواه مسلم
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد : فإننا في آخر ركن من أركان الإيمان التي بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ) وذكرنا أن الإيمان بالقدر لابد فيه من الإيمان بمراتب أربع الإيمان بعلم الله والإيمان بكتابة الله والإيمان بمشيئة الله والإيمان بخلق الله
وقوله عليه الصلاة والسلام ( خيره وشره ) الخير ما ينتفع به الإنسان ويلائمه من علم نافع ومال واسع طيب وصحة وأهل وبنين وما أشبه ذلك والشر ضد ذلك من الجهل والفقر والمرض وفقدان الأهل والأولاد وما أشبه هذا فكل هذا من الله عز وجل كل هذا من الله سبحانه وتعالى لا الخير ولا الشر فإن الله سبحانه وتعالى يقدر الخير لحكمة ويقدر الشر لحكمة كما قال تعالى (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون )) فإذا علم الله أن من الخير والحكمة أن يقدر الشر قدره لما يترتب عليه من المصالح العظيمة كقوله تعالى (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ))
فإذا قال قائل كيف تجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام ( تؤمن بالقدر خيره وشره ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( والشر ليس إليك ) فنفى أن يكون الشر إليه فالجواب على هذا أن نقول إن الشر المحض لا يكون بفعل الله أبدا الشر المحض الذي ليس فيه خير لا حالا ولا مآلا هذا لا يمكن أن يوجد في فعل الله أبدا هذا من وجه لأنه حتى الشر الذي قدره الله شرا لابد أن يكون له عاقبة حميدة ويكون شرا على قوم وخيرا على آخرين أرأيت لو أنزل الله المطر مطرا كثيرا فأغرقت زرع إنسان لكنه نفع الأرض وانتفع به أمة لكان هذا خيرا بالنسبة لمن انتفع به شرا بالنسبة لمن تضرر به فهو خير من وجه وشر من وجه
ثانيا حتى الشر الذي يقدره الله على الإنسان هو خير في الحقيقة لأنه إذا صبر واحتسب الأجر من الله نال بذلك أجرا أكثر بأضعاف مضاعفة مما ناله من الشر ولهذا ذكر عن بعض العابدات أنه أصيبت في أصبعها أو يدها فانجرحت فصبرت شكرت الله على هذا وقالت " إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها " ثم نقول إن الشر في الحقيقة ليس في فعل الله نفسه بل في مفعولاته المفعولات هي التي فيها خير وشر أما الفعل نفسه فهو خير ولهذا قال الله تعالى (( قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق )) أي من شر الذي خلقه الله فالشر إنما يكون في المفعولات لا في الفعل نفسه أما فعل الله فهو خير ويدلك لهذا أنك لو كان عندك مريض وقيل له إن من شفائه أن تكويه بالنار فكويته بالنار فالنار مؤلمة لاشك لكن فعلك هذا ليس بشر خير للمريض لأنك إنما تنتظر عاقبة حميدة لهذا الكي كذلك فعل الله للأشياء المكروهة والأشياء التي فيها شر هي بالنسبة لفعله وإيجاده خير لأنه يترتب عليها خير كثير
فإن قال قائل كيف تجمع بين هذا وبين قوله تعالى (( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) فالجواب أن نقول (( ما أصابك من حسنة فمن الله )) يعني من فضله هو الذي منّ عليك بها أولا وآخرا (( وما أصابك من سيئة فمن نفسك )) يعني أنت سببها أنت السبب وإلا فالذي قدرها هو الله لكن أنت السبب كما في قوله تعالى (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) وخلاصة الكلام أن كل شيء واقع فإنه بقدر الله سواء كان خيرا أم شرا فأما الخير فأمره واضح ووجه واضح أنه من الله وأما الشر فإننا نقول إن الشر ليس في فعل الله ولكن في مفعولاته ونقول أيضا هذه المفعولات التي فيها الشر قد تكون خيرا من وجه آخر إما للشخص المصاب بها نفسه وإما لغيره فمثلا إذا نزل المطر وأتلف زرع إنسان ولكنه نفع الأمة فهنا صار شرا على شخص ولكنه خير كثير بالنسبة للآخرين أو نقول أيضا هو شر لك من وجه وخير لك من وجه آخر لأن هذا الشر الذي أصابك لك فيه أجر كثير وربما يكون سببا لاستقامتك ولمعرفتك قدر نعمة الله عليك فتكون العاقبة حميدة والله الموفق
الطالب : جزاك الله خير
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق حديث عمر : " قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " رواه مسلم
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم