شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... فأخبرني عن الساعة قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال: يا عمر أتدري من السائل قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم رواه مسلم ومعنى تلد الأمة ربتها أي سيدتها ومعناه أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السرية بنتا لسيدها وبنت السيد في معنى السيد وقيل غير ذلك والعالة الفقراء وقوله مليا أي زمنا طويلا وكان ذلك ثلاثا ... " . حفظ
الشيخ : ثم قال جبريل ( أخبرني عن الساعة ) يعني عن قيام الساعة التي يبعث فيها الناس ويجازون فيها على أعمالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) المسؤول عنها يعني نفسه عليه الصلاة والسلام بأعلم من السائل يعني جبريل يعني أنك إذا كنت يا جبريل تجهلها فأنا كذلك أجهلها فهذان رسولان كريمان أحدهما رسول ملكي والثاني رسول بشري وهما أكمل الرسل فأكمل الرسل من الملائكة جبريل وأكمل الرسل من البشر محمد صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فكل منهما ينفي أن يكون له علم بالساعة لأن علم الساعة عند من بيده إقامتها عز وجل وهو الله تبارك وتعالى كما قال تعالى في آيات متعددة (( يسألونك عن الساعة قل إنما علمها عند الله )) (( يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله )) في آيات متعددة فعلمها عند الله فمن ادعى علم الساعة فإنه كاذب ومن أين له أن يعلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم وجبريل لا يعلم وهما أفضل الرسل ولكن الساعة لها أمارات كما قال تعالى (( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها )) علاماتها ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أنه لا علم له بذلك قال ( فأخبرني عن أماراتها ) علامتها الدالة على قربها فقال ( أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان ) الأول أن تلد الأمة ربتها يعني أن تكون الأمة المملوكة تتطور بها الحال حتى تكون ربة للمماليك الآخرين وهو كناية عن كثرة الأموال وكذلك الثاني ( وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان ) يعني الحفاة الذين ليس لهم نعال من الفقر العراة ليس لهم كسوة من الفقر العالة الفقراء يتطاولون في البنيان يعني أنهم لا يلبثون إلا أن يكونوا أغنياء يتطاولون في البنيان حساً ومعنى يتطاولون في البنيان حساً بأن يرفعوا بنيانهم إلى السماء يتطاولون فيها معنىً بأن يحسنوها ويزينوها ويدخلون عليها كل ما يكون من مكملاتها لأن لديهم وفرة من المال وكل هذا وقع كل هذا وقع وهناك أمارات أخرى وعلامات أخرى ذكرها أهل العلم في باب الملاحم والفتن وأشراط الساعة وهي كثيرة ثم انطلق جبريل عليه الصلاة والسلام ولبثوا ما شاء الله أن يلبثوا ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر ( أتدري من السائل قال الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )
وفي هذا الحديث إلقاء المسائل على الطلبة ليمتحنهم كما ألقى النبي عليه الصلاة والسلام المسألة على عمر
وفيه أيضا جواز قول الإنسان " الله ورسوله أعلم " ولا يلزمه أن يقول الله ثم رسوله لأن علم الشريعة الذي يصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام من علم الله فعلم الرسول من علم الله سبحانه وتعالى فصح أن يقال " الله ورسوله أعلم " كما قال الله تعالى (( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله )) فقال (( ما آتاهم الله ورسوله )) ولم يقل ثم رسوله لأن الإتيان هنا إتيان شرعي وإيتاء النبي صلى الله عليه وسلم الشرعي من إيتاء الله فالمسائل الشرعية يجوز أن تقول فيها " الله ورسوله " بدون ثم أما المسائل الكونية كالمشيئة وما أشبهها فلا تقل الله ورسوله قل الله ثم رسوله ولهذا لما قال رجل لما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم " ما شاء الله وشئت " قال ( أجعلتني لله ندا بل ما شاء الله وحده )
وفي هذا دليل على أن السائل إذا سأل عن شيء يعلمه من أجل أن ينتفع الحاضرون فإنه يكون معلما لهم لأن الذي أجاب النبي عليه الصلاة والسلام وجبريل سائل لم يعلّم الناس لكن كان سببا في هذا الجواب الذي انتفع به الناس قال بعض العلماء فينبغي لطالب العلم إذا جلس مع عالم في مجلس أن يسأل عن المسائل التي تهم الحاضرين وإن كان يعلم حكمها من أجل أن ينفع الحاضرين ويكون معلما لهم
وفي هذا دليل على بركة العلم وأن العلم ينتفع به السائل والمجيب كما قال هنا ( يعلمكم دينكم )
وفي هذا دليل أيضا في الحديث دليل على أنه حديث عظيم يشتمل على الدين كله ولهذا قال يعلمكم دينكم لأنه مشتمل على أصول العقائد وأصول الأعمال أصول العقائد في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وأصول الأعمال وهي أركان الإسلام الخمسة والله الموفق