شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا (( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل )) . رواه البخاري . وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما " حسبنا الله ونعم الوكيل " قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا (( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )) وإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام هما خليلان لله عز وجل قال الله تعالى (( واتخذ الله إبراهيم خليلا )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ) والخليل معناه الحبيب الذي بلغت محبته الغاية ولا نعلم أن أحدا وصف بهذا الوصف إلا محمدا صلى الله عليه وسلم وإبراهيم هما الخليلان وإنك لتسمع أحيانا يقول بعض الناس " إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله وموسى كليم الله " والذي يقول إن محمدا حبيب الله فيه شيء في كلامه نظر لأن لأن الخلّة أبلغ من المحبة فإذا قال محمد حبيب الله فهذا فيه نوع نقص من حق الرسول عليه الصلاة والسلام لأن أحباب الله كثيرون فالمؤمنون يحبهم الله المحسنون يحبهم الله المقسطون يحبهم الله والأحباب كثيرون لله لكن الخلة لا نعلم أنها ثبتت إلا لمحمد وإبراهيم وعلى هذا فنقول الصواب إبراهيم خليل الله ومحمد خليل الله وموسى كليم الله على أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد كلمه الله سبحانه وتعالى كلاما بدون واسطة حين عرج به إلى السماوات السبع
هذه الكلمة قالها إبراهيم " حسبنا الله ونعم الوكيل " حين ألقي في النار وذلك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأبوا وأصروا على الكفر والشرك فقام ذات يوم على أصنامهم فكسرها وجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم فلما رجعوا وجدوا آلهتهم قد كسّرت انتقموا والعياذ بالله لأنفسهم فقالوا ماذا نصنع بإبراهيم قالوا حرّقوه انتصارا لآلهتهم (( وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين )) فأوقدوا نارا عظيمة عظيمة جدا ثم رموا إبراهيم في هذه النار ويقال إنها إنهم لعظم النار لم يتمكنوا من القرب منها وأنهم رموا إبراهيم فيها بالمنجنيق رموه بالمنجنيق من بعد فلما رموه قال " حسبنا الله ونعم الوكيل " فما الذي حدث قال الله تعالى (( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم )) بردا ضد حر سلام ضد هلاك لأن النار حارة محرقة مهلكة فأمر الله هذه النار أن تكون بردا وسلاما عليه فكانت بردا وسلاما
والمفسرون بعضهم ينقل عن بني إسرائيل في هذه القصة أن الله لما قال يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم صارت جميع جميع نيران الدنيا بردا وهذا ليس بصحيح لأن الله وجه الخطاب إلى نار معينة (( يا نار كوني بردا )) وعلماء النحو يقولون إنه إذا جاء التركيب على هذا الوجه صار نكرة مقصودة يعني لا يشمل كل نار بل هو للنار التي ألقي فيها إبراهيم فقط وهذا هو الصحيح وبقية نيران الدنيا بقيت على ما هي عليه قال العلماء أيضا ولما قال الله تعالى (( كوني بردا )) قرن ذلك بقوله كوني سلاما لأنه لو قال كوني بردا فقط لكانت بردا حتى تهلكه لأن كل شيء يمتثل لأمر عز وجل كل شيء يمتثل لأمر الله انظر إلى قوله تعالى (( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها )) فماذا قالا (( قالتا أتينا طائعين )) أتينا طائعين منقادين لأمر الله عز وجل
أما الخليل الثاني الذي قال " حسبنا الله ونعم الوكيل " فهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين رجعوا من أحد قيل لهم (( إن الناس قد جمعوا لكم )) يريدون أن يأتوا إلى المدينة ويقضوا عليكم فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل قال الله تعالى (( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم )) فينبغي لكل إنسان رأى من الناس جمعا له أو عدوانا عليه أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل فإذا قال هكذا كفاه الله شرهم كما كفى إبراهيم ومحمدا عليهما الصلاة والسلام فاجعل هذه الكلمة دائما على بالك إذا رأيت من الناس عدوانا عليك حسبنا الله ونعم الوكيل يكفيك الله عز وجل همهم والله الموفق