شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ) رواه البخاري ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
نقل المؤلف رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( قال الله تعالى من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) المعاداة هي المباعدة وهي ضد الموالاة والولي بيّنه الله عز وجل في قوله (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون )) هؤلاء هم أولياء الله الذين آمنوا يعني حققوا الإيمان في قلوبهم بكل ما يجب الإيمان به وكانوا يتقون حققوا العمل الصالح بجوارحهم فاتقوا جميع المحارم من ترك الواجبات أو فعل المحرمات فهم جمعوا بين صلاح الباطن بالإيمان وصلاح الظاهر بالتقوى هؤلاء هم أولياء الله وليس أولياء الله وليست ولاية الله سبحانه وتعالى تأتي بالدعوى كما يفعله بعض الدجالين الذين يموّهون على العامة بأنهم أولياء لله وهم أعداء لله والعياذ بالله فتجد في بعض البلاد الإسلامية أناسا يموّهون للعامة يقولون نحن أولياء ثم يفعل الإنسان من العبادات الظاهرة ما يموّه به على العامة وهو من أعداء الله لكنه يتخذ من هذه الدعوة وسيلة إلى جمع المال وإلى إكرام الناس له وإلى تقربهم إليه وإلى ما أشبه ذلك وعندنا ولله الحمد ضابط بيّنه الله عز وجل وتعريف بيّن للأولياء (( الذين آمنوا وكانوا يتقون )) هؤلاء هم أولياء الله فالذي يعادي أولياء الله يقول الله عز وجل ( فقد آذنته بالحرب ) يعني أعلنت عليه الحرب فالذي يعادي أولياء الله محارب لله عز وجل نسأل الله العافية ومن حارب الله فهو مهزوم مخذول لا تقوم له قائمة ثم قال سبحانه وتعالى ( وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ) يعني أن الله يقول ما تقرّب الإنسان إليّ بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه يعني أن الفرائض أحب إلى الله من النوافل فالصلوات الخمس مثلا أحب إلى الله من قيام الليل وأحب إلى الله من النوافل صيام رمضان أحب إلى الله من صيام الإثنين والخميس والبيض وما أشبهها كل الفرائض أحب إلى الله من النوافل وذلك يعني وجه ذلك أن الفرائض وكّدها الله عز وجل فألزم به العباد وهذا دليل على شدة محبته لها عز وجل لما كان يحبها شديدا ألزم بها العباد أما النوافل فالإنسان حر إن شاء تنفل وزاد خيرا وإن شاء لم يتنفل لكن الفرائض أحب إلى الله وأوكد والغريب أن الشيطان يأتي الناس وتجدهم في النوافل يحسنونها تماما تجده مثلا في صلاة الليل يخشع ولا يتحرك ولا يذهب قلبه يمينا ولا شمالا لكن إذا جاءت الفرائض فالحركة كثيرة والوساوس كثيرة والهواجيس بعيدة وهذا من تزيين الشيطان إذا كنت تزيّن النافلة فالفريضة أحق بالتزيين أحسن الفريضة لأنها أحب إلى الله عز وجل من النوافل ( وما يزال عبدي ) نعم ( وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ) يالله من فضلك النوافل تقرب إلى الله تكمل الفرائض فإذا أكثر الإنسان من النوافل مع قيامه بالفرائض نال محبة الله يعني أن الله يحبه فإذا أحبه يقول عز وجل ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ) يعني أنني أكون مسددا له في هذه الأعضاء الأربعة في السمع أسدده في سمعه فلا يسمع إلا ما يرضي الله ويعرض عما يغضب الله لا يستمع إليه كذلك أيضا بصره لا ينظر إلا إلى ما يحب الله النظر إليه ولا ينظر إلى المحرّم ولا ينظر نظرا محرما ويده لا يعمل بيده إلا ما يرضي الله لأن الله يسدده وكذلك رجله لا يمشي إلا إلى ما يرضي الله لأن الله يسدده هذا معنى قوله ( كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ) وليس معنى أن الله يكون نفس السمع ونفس البصر حاشا لله ولكن المعنى أنه يسدد الإنسان في سمعه وبصره وبطشه ومشيه هذا هو معنى الحديث ويأتي إن شاء الله البقية
بسم الله الرحمن الرحيم .
سبق الكلام على أول هذا الحديث إلى قوله ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ) وبينا أن معنى هذه الجمل أن الله عز وجل يسدد هذا الولي في قوله وفعله وحركاته وسكناته يسدده في سمعه فلا يستمع إلا لما فيه الخير والصلاح ويكون ممن إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم يسدده أيضا في عينه بصره الذي يبصر به فلا يرى ولا ينظر إلا لما أحل الله له وانتفع بنظره في الآخرة يسدده أيضا في فعله بيديه فيكون لا يعمل بيديه إلا ما يرضي الله عز وجل وكذلك يسدده في خطواته ومشيه في رجليه بحيث لا يسعى إلا لما فيه الخير فإذا كان الله سبحانه وتعالى مسددا له في هذه الأشياء كان موفقا مغتنما لأوقاته منتهزا لفرصه وليس المعنى أن الله يكون نفس السمع ونفس البصر ونفس اليد ونفس الرجل لأن هذا محال فإن هذه أعضاء وأبعاض لشخص مخلوق لا يمكن أن تكون هي الخالق ولأن الله تعالى أثبت في هذا الحديث في قوله ( وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ) فأثبت سائلا ومسؤولا وعائذا ومعوذا به وهذا غير هذا وفي قوله سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي ( وإن سألني أعطيته ) دليل على أن هذا الولي الذي تقرّب إلى الله تعالى بالفرائض ثم بالنوافل إذا سأل الله أعطاه فكان مجاب الدعوة وهذا الإطلاق يقيّد بالأحاديث الأخرى الدالة على أنه يعطى السائل سؤله ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم فإن سأل إثما فإنه لا يجاب لكن الغالب أن الولي لا يسأل الإثم لأن الولي هو المؤمن التقي والمؤمن التقي لا يسأل إثما ولا قطيعة رحم
( ولئن استعاذني لأعيذنه ) يعني لئن اعتصم بي ولجأ إليّ من شر كل ذي شر لأعيذنه فيحصل بإعطائه مسؤوله وإعاذته مما يتعوذ منه يحصل له المطلوب ويزول عنه المرغوب
في هذا الحديث عدة فوائد
أولا إثبات الولاية لله عز وجل وولاية الله تعالى تنقسم إلى قسمين ولاية عامة وهي السلطة على جميع العباد والتصرف فيهم بما أراد هذه ولاية عامة كل إنسان فإن الذي يتولى أموره وتدبيره وتصريفه هو الله عز وجل ومن ذلك قوله تبارك وتعالى (( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق )) هذه ولاية عامة تشمل جميع الخلق أما الولاية الخاصة فمثل قوله تعالى (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات )) الولاية العامة تكون بغير سبب من الإنسان يتولى الله الإنسان شاء أم أبى وبغير سبب منه أما الولاية الخاصة فإنها تكون بسبب من الإنسان هو الذي يتعرض لولاية الله حتى يكون الله وليا له (( الذين آمنوا وكانوا يتقون ))
ومن فوائد هذا الحديث فضيلة أولياء الله وأن الله سبحانه وتعالى يعادي من عاداهم بل يكون حربا عليهم عز وجل
ومن فوائد هذا الحديث أن الأعمال الواجبة من صلاة وصدقة وصوم وحج وجهاد وعلم وغير ذلك أفضل من الأعمال المستحبة لأن الله قال ( ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه )
ومن فوائده إثبات المحبة لله عز وجل وأن الله تعالى يحب الأعمال بعضها أكثر من بعض كما أنه يحب الأشخاص بعضهم أكثر من بعض فالله عز وجل يحب العاملين بطاعته ويحب الطاعة وتتفاوت محبته سبحانه وتعالى على حسب ما تقتضيه حكمته
ومن فوائد هذا الحديث أيضا أن الإنسان إذا تقرّب إلى الله بالنوافل مع القيام بالواجبات فإنه يكون بذلك معانا في جميع أموره لقوله تعالى في هذا الحديث القدسي ( ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه ) إلى آخره
وفيه دليل أيضا على أن من أراد أن يحبه الله فالأمر سهل عليه إذا سهله الله عليه يقوم بالواجبات ويكثر من العبادات التطوع فبذلك ينال محبة الله وينال ولاية الله
ومن فوائد هذا الحديث إثبات عطاء الله عز وجل وإجابة دعوته وإجابة دعوته لوليه لقوله ( وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه ) وأتى به المؤلف في باب المجاهدة لأن النفس تحتاج إلى جهاد في القيام بالواجبات ثم بفعل المستحبات نسأل الله أن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته
القارئ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين