تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير .احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز . وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله ، وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) . رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
تقدم لنا الكلام على أكثر هذا الحديث العظيم الذي ينبغي للإنسان أن يتخذه نبراسا لعمله يسير عليه وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) إلى هنا انتهى ما تكلمنا عليه فيما سبق ثم قال عليه الصلاة السلام ( فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ) يعني بعد أن تحرص وتبذل الجهد وتستعين بالله وتستمر ثم يخرج الأمر على خلاف ما تريد ( لا تقل لو أني فعلت لكان كذا ) لأن هذا أمر فوق إرادتك أنت فعلت الذي تؤمر به ولكن الله عز وجل غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون مثال ذلك رجل سافر سافر يريد العمرة مثلا لكنه في أثناء الطريق تعطلت السيارة ثم رجع فقال لو أني أخذت السيارة الأخرى لكان أحسن ولما حصل عليّ التعطل نقول لا تقل هكذا لأنك أنت بذلت الجهد ولو كان الله عز وجل أراد أن تبلغ العمرة ليسّر لك الأمر ولكن الله لم يرد ذلك فالإنسان إذا بذل ما يستطيع مما أمر ببذله وأخلفت الأمور فحينئذ يفوض الأمر إلى الله لأنه فعل ما يقدر عليه ولهذا قال إن أصابك شيء يعني بعد بذل الجهد والاستعانة بالله عز وجل ( فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ) جزى الله عنا نبينا خيرا بيّن الحكمة من ذلك قال ( فإن لو تفتح عمل الشيطان ) تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم والهموم ولو أني سويت لكان كذا لو فعلت كان كذا لا تقل هكذا الامر انتهى ولا يمكن أن يتغير عما وقع هذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة سيكون على هذا الوقع مهما عملت ولهذا قال ( ولكن قل قدَرُ الله ) أي هذا قدَر الله أي تقدير الله وقضاؤه وما شاء فعل ما شاء عز وجل فعله (( إن ربك فعّال لما يريد )) لا أحد يمنعه أن يفعل في ملكه ما يشاء ما شاء فعله عز وجل ولكن يجب أن نعلم أنه سبحانه وبحمده لا يفعل شيئا إلا لحكمة خفيت علينا أو ظهرت لنا والدليل على هذا قوله تعالى (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما )) فبيّن أن مشيئته مقرونة بالحكمة والعلم وكم من شيء كره الإنسان وقوعه فصارت العاقبة خيرا له كما قال تعالى (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم )) ولقد جرت حوادث كثيرة حوادث كثيرة تدل على هذه الآية
قبل كم سنة أقلعت طائرة من الرياض متجهة إلى جدة وفيها ركاب كثير فوق ثلاثمئة راكب وكان أحد الركاب الذين سجلوا في هذه الطائرة في قاعة الانتظار فغلبته عيناه حتى نام وأعلن عن إقلاع الطائرة وذهب الركاب وركبوا فإذا بالرجل يستيقظ بعد أن أغلق الباب فندم ندامة شديدة كيف فاتته الطائرة ثم إن الله قدّر بحكمته أن تحترق الطائرة وركابها فسبحان الله كيف نجى هذا الرجل كره أنه فاتته الطائرة ولكن كان ذلك خيرا له كان ذلك خيرا له
فأنت إذا بذلت الجهد واستعنت بالله وصار الأمر على خلاف ما تريد لا تندم لا تقول لو أني فعلت لكان كذا إذا قلت هذا انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يكدر عليك الصفو انتهى الأمر راح سلّم الأمر للملك الجبار عز وجل قل ( قدر الله وما شاء فعل ) والله لو أننا سرنا على هدي هذا الحديث لاسترحنا كثيرا لكن تجد الإنسان منا
أولا ما يحرص على ما ينفعه تمضي أوقاته ليلا ونهارا بدون فائدة تضيع عليه سدى
ثانيا إذا قدّر أنه اجتهد في أمر ينفعه ثم فات الأمر ولم يكن على ما توقع تجده يندم وليتني ما سويت كذا ولو أني سويت كذا لكان كذا هذا ماهو صحيح أنت أديت ما عليك ثم بعد هذا فوّض الأمر إلى الله عز وجل
فإذا قال قائل كيف أحتج بالقدر كيف أقول قدر الله وما شاء فعل هذا احتجاج بالقدر نقول نعم الاحتجاج بالقدر في موضعه لا بأس به ولهذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (( اتبع ما يوحى إليك من ربك وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا )) فبيّن له أن شركهم بمشيئته والاحتجاج بالقدر على الاستمرار في المعصية هذا حرام لا يجوز لأن الله قال (( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا )) لكن الاحتجاج بالقدر في موضعه هذا لا بأس به
( دخل النبي عليه الصلاة والسلام ذات ليلة على علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام فوجدهما نائمين فقال لهما ما منعكما أن تقوما ) يعني تقوما تتهجدان ( فقال علي يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله لو شاء أن نقوم لقمنا فخرج النبي عليه الصلاة والسلام وهو يضرب على فخذه ويقول وكان الإنسان أكثر شيء جدلا )