شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا .فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا: مراء وجاء رجل آخر فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا ! فنزلت (( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم )) متفق عليه ونحامل بضم النون، وبالحاء المهملة: أي يحمل أحدنا على ظهره بالأجرة، ويتصدق بها .... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله تعالى وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال لما نزلت آية الصدقة يعني الآية التي فيها الحث على الصدقة يعني التبرع بالمال للفقراء ابتغاء وجه الله هذه هي الصدقة أن يتبرع الإنسان بماله للفقراء ابتغاء وجه الله وسميت صدقة لأن بذل المال لله عز وجل دليل على صدق الإيمان بالله فإن المال من الأمور المحبوبة للنفوس قال الله تعالى (( وتحبون المال حبا جما )) أي كثيرا عظيما فإذا بذله الإنسان ابتغاء وجه الله فإن المحبوب لا يبذل إلا لما هو أحب منه فيكون ذلك دليلا على صدق الإيمان لما نزلت جعل الصحابة رضي الله عنهم يبادرون ويسارعون في بذل الصدقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه هي عادتهم رضي الله عنهم أنهم إذا نزلت الآيات في الأوامر بادروها وامتثلوها وإذا نزلت في النواهي بادروا في تركها ولهذا لما نزلت آية الخمر التي فيها تحريم الخمر وبلغت قوما من الأنصار وكان الخمر بين أيديهم يشربونه قبل أن يحرّم من حين ما سمعوا الخبر أقلعوا عن الخمر ثم خرجوا بالأواني يصبونها في الأسواق حتى جرت الأسواق في الخمر وهذا هو الواجب على كل مؤمن إذا بلغه عن الله ورسوله شيء أن يبادر بما يجب عليه من امتثال هذا الأمر أو اجتناب هذا النهي المهم أن الصحابة بدؤوا رضي الله عنهم يتحاملون الصدقة كل واحد يحمل بقدرته من الصدقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل بصدقة كثيرة وجاء رجل بصدقة قليل فكان المنافقون إذا جاء الرجل بالصدقة الكثيرة قالوا هذا مرائي والعياذ بالله يرائي الناس ما قصده وجه الله وإذا جاء الرجل بالصدقة القليلة قالوا إن الله غني عنه جاء رجل بصاع فقالوا إن الله غني عن صاع هذا وهم منافقون والمنافقون يظهرون الشماتة بالمؤمنين دائما أكبر همهم وأعذب مقال لهم وألذ مقال على أسماعهم أن يسمعوا ويقولوا ما فيه سب المسلمين والمؤمنين والعياذ بالله لأنهم منافقون (( هم العدو )) كما قال الله عز وجل فاحذر المنافق احذر المنافق الذي يظهر لك خلاف ما يبطن المهم أنهم صاروا إن جاء رجل بكثير قالوا هذا المرائي وإن جاء بقليل قالوا إن الله غني عن صاعك ولا ينفعك فأنزل الله عز وجل (( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات )) يلمزون يعني يعيبون المصدقين يعني المتصدقين والذين يلمزون المصدقين (( المطوعين من المؤمنين في الصدقات )) المطوعين يعني المتطوعين في الصدقات (( والذين لا يجدون إلا جهدهم )) والذين هذه معطوفة على قوله (( المطوعين )) يعني ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم فهم يلمزون هؤلاء وهؤلاء فيسخرون منهم (( سخر الله منهم ولهم عذاب أليم )) فهم سخروا من المؤمنين فسخر الله منهم والعياذ بالله ففي هذا دليل على حرص الصحابة على استباق الخير ومجاهدتهم أنفسهم على ذلك وفي هذا دليل أيضا على أن الله عز وجل يدافع عن المؤمنين فانظر كيف أنزل الله آية في كتاب الله مدافعة عن المؤمنين الذين كان هؤلاء المنافقون يلمزونهم وفيه دليل على شدة العداوة من المنافقين للمؤمنين وأن المؤمنين لا يسلمون منهم إن عملوا كثيرا سبوهم وإن عملوا قليلا سبوهم ولكن الأمر ليس إليهم بل إلى الله عز وجل ولهذا سخر الله منهم وتوعدهم بالعذاب الأليم في قوله (( ولهم عذاب أليم )) أما حكم المسألة هذه فإن الله تعالى قال في كتابه (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) القليل والكثير من الخير سيراه الإنسان ويجازى به والقليل والكثير من الشر سيراه الإنسان وسيجازى عليه وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا تصدق بعدل تمرة أي بما يعادلها من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله تعالى يأخذها بيمينه فيربيها له حتى تكون مثل الجبل قارن بين حبة من التمر وبين الجبل لا نسبة الجبل أعظم بكثير فالله سبحانه وتعالى يجزي الإنسان على ما عمل من خير قل أو كثر ولكن احرص على أن تكون نيتك خالصة لله لا تريد بذلك جزاء ولا شكورا من غير الله وعلى أن تكون متبعا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموفق