شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ) متفق عليه . النزل: القوت والرزق وما يهيأ للضيف . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة ) متفق عليه . قال الجوهري الفرسن من البعير: كالحافر من الدابة قال وربما استعير في الشاة . عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الأحاديث الثلاثة التي نقلها المؤلف رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أما الأول: فهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( من غدا إلى المسجد أو راح كتب الله له في الجنة نُزلًا كلما غدا أو راح ) غدا بمعنى: ذهب غدوة، أي: ذهب أول النهار، وذلك مثل أن يذهب إلى المسجد لصلاة الفجر، أو راح الرواح يطلق على ما بعد الزوال، مثل الذهاب إلى صلاة الظهر أو العصر، وقد يطلق الرواح على مجرد الذهاب، كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة: ( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى ) إلى آخر الحديث، فإن معنى راح في الساعة الأولى أي: ذهب إلى المسجد في الساعة الأولى، لكن إذا ذكرت الغدوة مع الرواح صارت الغدوة أول النهار والرواح آخر النهار، وظاهر الحديث أن من غدا إلى المسجد أو راح سواء غدا للصلاة أو لطلب علم أو لغير ذلك من مقاصد الخير أن الله يكتب له في الجنة نُزلًا، والنزل ما يقدم للضيف من طعام ونحوه على وجه الإكرام، أي: أن الله تعالى يعد لهذا الرجل الذي ذهب إلى المسجد صباحًا أو مساءً يعد له في الجنة نزلًا إكرامًا له، ففي هذا الحديث إثبات هذا الجزاء العظيم لمن ذهب إلى المسجد أول النهار أو آخره، وفيه بيان فضل الله عز وجل على العبد حيث يعطيه على مثل هذه الأعمال اليسيرة هذا الثواب الجزيل، وأما حديثه الثاني فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرْسن شاة ) يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث حث على الهدية للجار للجار ولو شيئًا قليلًا، قال: ( ولو فرسن شاة ) الفرسن ما يكون في ظلف الشاة وهو شيء بسيط زهيد، كأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا تحقرن شيئًا، لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو قَلَّ، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا طبخت مرقًا فأكثر ماءها تعاهد جيرانك ) حتى المرق إذا أعطيته جيرانك هدية فإنك تثاب على ذلك، كذلك أيضا لا تحقرن شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق فإن هذا من المعروف، إذا لم تلق أخاك بوجه معبس مكفهر بل بوجه منطلق منشرح فإن هذا من الخير ومن المعروف، لأن أخاك إذا واجهته بهذه المواجهة يدخل عليه السرور ويفرح، وكل شيء يدخل السرور على أخيك المسلم فإنه خير وأجر، وكل شيء تغيض به الكافر فإنه خير وأجر، قال الله تعالى: (( وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِح )).