شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) ... " . حفظ
الشيخ : ذكر آيات متعددة منها قوله تعالى: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا )) هذه الآية ذكرها الله عز وجل عقب قوله تعالى: (( وما أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً * فلا وربك لا يؤمنون )) وهذه الآية فيها أقسام، إقسام من الله عز وجل بربوبيته لمحمد صلى الله عليه وسلم الدالة على عنايته به صلى الله عليه وسلم عناية خاصة، وذلك لأن الربوبية هنا ربوبية خاصة، فلله عز وجل على خلقه ربوبيتان: ربوبية عامة لكل أحد، مثل قوله تعالى: (( الحمد لله رب العالمين )) وربوبية خاصة لمن اختصه من عباده، مثل هذه الآية: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم )) وقد اجتمع النوعان في قوله تعالى عن سحرة آل فرعون: (( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ )) فرب العالمين عامة، رب موسى وهارون خاصة، والربوبية الخاصة تقتضي عناية خاصة من الله عز وجل، فأقسم الله سبحانه وبحمده بربوبيته لعبده محمد صلى الله عليه وسلم قسمًا مؤكَّدًا بلا (( فلا وربك )) وهذه لا يراد بها التوكيد، ولو قال: فوربك لا يؤمنون لتم الكلام، لكنه أتى بلا للتوكيد، كقوله تعالى: (( لا أقسم بيوم القيامة )) ليس المراد النفي أن الله لا يقسم باليوم بيوم القيامة، بل المراد التأكيد، فهي هنا للتوكيد والتنبيه (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم )) أي: يجعلونك حكمًا فيما حصل بينهم من النزاع، لأن معنى شجر أي حصل من النزاع، حتى يجعلوك أنت الحكم فيما حصل بينهم من النزاع في أمور الدين وفي أمور الدنيا، ففي أمور الدين لو تنازع رجلان في حكم مسألة شرعية فقال أحدهما: هي حرام، وقال الثاني: هي حلال فالتحاكم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يؤمن أحد منهما أي: من المتشاجرين إلا إذا حكما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تنازع الناس في أمر دنيوي بينهم كما حصل بين الزبير بن العوام رضي الله عنه وبين جاره الأنصاري حين تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء، ماء الوادي فحكم بينهما، فهذا تحاكم في أمور الدنيا، المهم أنه لا يؤمن أحد حتى يكون تحاكمه في أمور الدين والدنيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الإيمان المنفي هنا إن كان الإنسان لا يرضى بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقًا فهو نفي للإيمان من أصله، لأن من لا يرضى بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقًا كافر والعياذ بالله خارج من الإسلام، وإن كان عدم الرضا بالحكم في مسألة خاصة وعصى فيها، فإنها إذا لم تكن مكفرة فإنه لا يكفر، وقوله عز وجل: (( حتى يحكموك )) لو قال قائل: كيف يكون تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؟ فالجواب: أن نقول: يكون تحكيمه بعد موته بتحكيم سنته صلى الله عليه وسلم، انتبه هذه واحدة (( لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم )) الشيء الثاني (( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت )) لأن الإنسان قد يحكم الكتاب والسنة لكن يكون في صدره حرج، يعني ما يطمئن أو ما يعني يرضى إلا غصب كما يقول العامة، فلا بد من ألا يجد الإنسان في نفسه حرجًا مما قضى الله ورسوله، الشيء الثالث: (( ويسلموا تسليمًا )) يعني ينقادوا انقيادًا تامًّا ليس فيه تأخر ولا تقهقر، فهذه شروط ثلاثة لا يتم الإيمان إلا بها، أولًا: تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني: ألا يجد الإنسان في نفسه حرج مما قضاه، والثالث: أن يسلم تسليمًا تامًّا بالغًا، وبناء على هذا نقول: إن الذين يحكمون القوانين الآن ويتركون وراءهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما هو بمؤمنين ليسوا بمؤمنين، لقوله تعالى: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم )) ولقوله: (( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) وهؤلاء المحكمون للقوانين ليست قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة لهوى أو لظلم، ولكنهم استبدلوا الدين بهذا القانون، جعلوا هذا القانون يحل محل شريعة الله، وهذا كفر حتى لو صاموا وصلوا وتصدقوا وحجوا فهم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله وهم يعلمون بحكم الله إلى هذه القوانين المخالفة لحكم الله (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) ولا تستغرب إذا قلنا: إن من استبدل شريعة الله بغيرها من القوانين، لا تستغرب إذا قلنا إنه يكفر ولو صام وصلى، لأن الكفر ببعض الكتاب كفر بالكتاب كله الشرع لا يتبعض، إما أن تؤمن به جميعًا وإما أن تكفر به جميعًا، وإذا آمنت ببعضه وكفرت ببعض فأنت كافر بالجميع لأن حالك تقول: إنك لا تؤمن إلا بما لا يخالف هواك، وأما ما خالف هواك فلا تؤمن به هذا هو الكفر اتبعت الهوى واتخذت هواك، إلها فالحاصل المسألة خطيرة جدًّا، المسألة من أخطر ما يكون بالنسبة لحكام المسلمين اليوم فإنهم قد وضعوا قوانين تخالف الشريعة، وهم يعرفون الشريعة ولكن وضعوها والعياذ بالله تبعًا لأعداء الله من الكفرة الذين سنوا هذه القوانين ومشى الناس عليها، والعجب أنه لقصور علم هؤلاء وضعف دينهم أنهم يعلمون أن واضع القانون هو فلان بن فلان من الكفار في عصر قد اختلفت العصور عنه من مئات السنين، ثم هو في مكان يختلف عن مكان الأمة الإسلامية، ثم هو في شعب يختلف عن شعب الأمة الإسلامية ومع ذلك يفرضون هذه القوانين على الأمة الإسلامية ولا يعدونها إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الإسلام؟ أين الإيمان؟ أين التصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول إلى الناس كافة؟ أين التصديق بعموم رسالته وأنها عامة في كل شيء؟ كثير من الجهلة يظنون أن الشريعة خاصة في العبادة التي بينك وبين الله عز وجل فقط أو في الأحوال الشخصية من نكاح وميراث وشبهه، ولكنهم أخطئوا في هذا الظن الشريعة عامة في كل شيء، وإذا شئت أن يتبين لك هذا فسأل ما هي أطول آية في كتاب الله؟ سيقال لك أطول آية آية الدين (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ )) كلها في المعاملات، كلها في المعاملات، كيف نقول إن الشرع الإسلامي خاص بالعبادة أو بالأحوال الشخصية؟ هذا جهل وضلال، إن كان عن عمد فهو عناد واستكبار وإن كان عن جهل فهو قصور، والواجب أن يتعلم الإنسان ويعرف، نسأل الله لنا ولهم الهداية، المهم أن الإنسان لا يمكن أن يؤمن إلا بثلاثة شروط إلا بثلاثة شروط:
الأول: تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: ألا يجد في صدره حرج ولا يضيق صدره بما قضى به الرسول عليه الصلاة والسلام، والثالث: أن يسلم تسليمًا ينقاد انقيادًا تامًّا، فبهذه الشروط الثلاثة يكون مؤمنًا، وإن لم تتم فإنه إما خال من الإيمان مطلقًا، وإما ناقص الإيمان، والله الموفق.
الأول: تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: ألا يجد في صدره حرج ولا يضيق صدره بما قضى به الرسول عليه الصلاة والسلام، والثالث: أن يسلم تسليمًا ينقاد انقيادًا تامًّا، فبهذه الشروط الثلاثة يكون مؤمنًا، وإن لم تتم فإنه إما خال من الإيمان مطلقًا، وإما ناقص الإيمان، والله الموفق.