شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ... " .
حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله في باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ) وهذا من دأبه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعظ الناس بالمواعظ أحيانًا على وجه راتب، كمواعظ يوم الجمعة خطب يوم الجمعة وخطب العيدين وأحيانً،ا على وجه عارض إذا وجد سبب يقتضي الموعظة قام فوعظ الناس عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك موعظته بعد صلاة الكسوف فإنه خطب ووعظ موعظة عظيمة بليغة، من أحب أن يرجع إليها فعليه بزاد المعاد لابن القيم رحمه الله، أما هنا فيقول: (وعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ) وجلت يعني: خافت، وذرفت العيون من البكاء فأثرت فيهم تأثيرًا بالغًا حتى ( قالوا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ) لأن المودع إذا أراد المغادرة فإنه يعظ من خلفه الموعظة البليغة التي تكون ذكرى لهم لا ينسونها، ولهذا تجد الإنسان إذا وعظ عند فراقه بسفر أو غيره، فإن الموعظة تمكث في قلب الموعوظ وتبقى، فلهذا قالوا: ( كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بتقوى الله ) وهذه الوصية هي التي أوصى بها الله عز وجل عباده فقال تعالى: (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )) والتقوى كلمة جامعة من أجمع الكلمات الشرعية وهي: أعني التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله، أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله ولا يكون هذا إلا بفعل الأوامر واجتناب النواهي، ولا يكون فعل الأوامر واجتناب النواهي إلا بعلم الأوامر والنواهي، إذًا فلا بد من علم ولا بد من عمل، فإذا اجتمع للإنسان العلم والعمل نال بذلك خشية الله وحصلت له التقوى، فتقوى الله إذًا أن يتخذ الإنسان وقاية من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ولا وصول إلى ذلك إلا بالعلم، وليس المراد بالعلم أن يكون الإنسان بحرًا لا العلم فيما يتعين عليه من أوامر الله، والناس يختلفون فمثلًا من عنده مال يجب أن يعلم أحكام الزكاة، ومن قدر على الحج وجب عليه أن يعلم أحكام الحج، وغيرهم لا يجب عليهم، فالعلوم الشرعية فرض كفاية إلا ما تعين على العبد فعله فإن علمه يكون فرض عين، قال: ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي ) السمع والطاعة يعني لولي الأمر ( وإن تأمر عليكم عبد حبشي ) سواء كانت إمرته عامة كالرئيس الأعلى في الدولة، أو خاصة كأمير بلدة أو أمير قبيلة أو ما أشبه ذلك، وقد أخطأ من ظن أن المراد بقوله: ( وإن تأمر عليكم عبد حبشي ) أن المراد بهم الأمراء الذين دون الولي الأعظم، الذي يسميه الفقهاء الإمام الأعظم، لأن الإمارة في الشرع تشمل الإمارة العظمى وهي الإمامة، وما دونها كإمارة البلدان والمقاطعات والقبائل وما أشبه ذلك، ودليل هذا أن المسلمين منذ تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمون الخليفة أمير المؤمنين فيجعلونه أميرًا، وهذا لا شك فيه، ثم يسمى أيضًا إمامًا لأنه السلطان الأعظم، ويسمى سلطانًا، لكن الذي عليه الصحابة أنهم يسمونه أمير المؤمنين، أمير المؤمنين، وقوله: ( وإن تأمر عليكم عبد حبشي ) يعني حتى لو لم يكن من العرب، لو كان من الحبشة وتولى وجعل الله له السلطة فإن الواجب السمع والطاعة له، لأنه صار أميرًا ولو قلنا بعدم السمع والطاعة له لأصبح الناس فوضى كل يعتدي على الآخر وكل يضيع حقوق الآخرين، وقوله: ( والسمع والطاعة ) هذا الإطلاق مقيد، مقيد بما قيده به النبي صلى الله عليه وسلم حيث: ( إنما الطاعة في المعروف إنما الطاعة في المعروف إنما الطاعة في المعروف ) يعني: فيما يقره الشرع، وأما ما ينكره الشرع فلا طاعة لأحد فيه، حتى لو كان الأم أو الأب أو الأمير العام أو الخاص فإنه لا طاعة له، فمثلًا: لو أمر ولي الأمر بأن لا يصلي الجنود مثلًا قلنا: لا سمع ولا طاعة لأن الصلاة فريضة فرضها الله على العباد وعليك أنت أيضًا أنت أول من يصلي وأنت أول من تفرض عليك الصلاة، فلا سمع ولا طاعة، لو أمرهم بشيء محرم كحلق اللحى مثلًا قلنا: لا سمع ولا طاعة نحن لا نطيعك إنما نطيع النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: ( أعفوا اللحى وحفوا الشوارب ) وهكذا كل ما أمر به ولي الأمر إذا كان معصية لله فإنه لا سمع له ولا طاعة، يجب أن يعصى علنا ولا يهتم به، لأن من عصى الله وأمر عباد الله بمعصية الله فإنه لا حق له في السمع والطاعة، لكن يجب أن يطاع في غير هذا، يعني ليس معنى ذلك إذا أمر بمعصية أنها تسقط طاعته مطلقًا لا إنما تسقط طاعته في هذا الأمر المعين الذي هو معصية لله، أما ما سوى ذلك فإنه يجب طاعته، وقد ظن بعض الناس أنها لا تجب طاعة ولي الأمر إلا فيما أمر الله به، وهذا خطأ لأن ما أمر الله به ننفذه ونفعله سواء أمرنا به ولي الأمر أم لا، فالأحوال ثلاثة: إما أن يكون ما أمر به ولي الأمر مأمورًا به شرعًا كما لو أمر بالصلاة مع الجماعة مثلًا فهذا يجب امتثاله لأمر الله ورسوله ولأمر ولي الأمر، وإما أن يأمر ولي الأمر بمعصية الله من ترك واجب أو فعل محرم فهنا لا طاعة له ولا سمع، وإما أن يأمر بما ليس فيه أمر شرعي ولا معصية شرعية فهذا تجب طاعته فيه، لأن الله قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) فطاعة ولي الأمر في غير معصية طاعة لله ولرسوله، والله الموفق.
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ".
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله في باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ) وهذا من دأبه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعظ الناس بالمواعظ أحيانًا على وجه راتب، كمواعظ يوم الجمعة خطب يوم الجمعة وخطب العيدين وأحيانً،ا على وجه عارض إذا وجد سبب يقتضي الموعظة قام فوعظ الناس عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك موعظته بعد صلاة الكسوف فإنه خطب ووعظ موعظة عظيمة بليغة، من أحب أن يرجع إليها فعليه بزاد المعاد لابن القيم رحمه الله، أما هنا فيقول: (وعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ) وجلت يعني: خافت، وذرفت العيون من البكاء فأثرت فيهم تأثيرًا بالغًا حتى ( قالوا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ) لأن المودع إذا أراد المغادرة فإنه يعظ من خلفه الموعظة البليغة التي تكون ذكرى لهم لا ينسونها، ولهذا تجد الإنسان إذا وعظ عند فراقه بسفر أو غيره، فإن الموعظة تمكث في قلب الموعوظ وتبقى، فلهذا قالوا: ( كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بتقوى الله ) وهذه الوصية هي التي أوصى بها الله عز وجل عباده فقال تعالى: (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )) والتقوى كلمة جامعة من أجمع الكلمات الشرعية وهي: أعني التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله، أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله ولا يكون هذا إلا بفعل الأوامر واجتناب النواهي، ولا يكون فعل الأوامر واجتناب النواهي إلا بعلم الأوامر والنواهي، إذًا فلا بد من علم ولا بد من عمل، فإذا اجتمع للإنسان العلم والعمل نال بذلك خشية الله وحصلت له التقوى، فتقوى الله إذًا أن يتخذ الإنسان وقاية من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ولا وصول إلى ذلك إلا بالعلم، وليس المراد بالعلم أن يكون الإنسان بحرًا لا العلم فيما يتعين عليه من أوامر الله، والناس يختلفون فمثلًا من عنده مال يجب أن يعلم أحكام الزكاة، ومن قدر على الحج وجب عليه أن يعلم أحكام الحج، وغيرهم لا يجب عليهم، فالعلوم الشرعية فرض كفاية إلا ما تعين على العبد فعله فإن علمه يكون فرض عين، قال: ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي ) السمع والطاعة يعني لولي الأمر ( وإن تأمر عليكم عبد حبشي ) سواء كانت إمرته عامة كالرئيس الأعلى في الدولة، أو خاصة كأمير بلدة أو أمير قبيلة أو ما أشبه ذلك، وقد أخطأ من ظن أن المراد بقوله: ( وإن تأمر عليكم عبد حبشي ) أن المراد بهم الأمراء الذين دون الولي الأعظم، الذي يسميه الفقهاء الإمام الأعظم، لأن الإمارة في الشرع تشمل الإمارة العظمى وهي الإمامة، وما دونها كإمارة البلدان والمقاطعات والقبائل وما أشبه ذلك، ودليل هذا أن المسلمين منذ تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمون الخليفة أمير المؤمنين فيجعلونه أميرًا، وهذا لا شك فيه، ثم يسمى أيضًا إمامًا لأنه السلطان الأعظم، ويسمى سلطانًا، لكن الذي عليه الصحابة أنهم يسمونه أمير المؤمنين، أمير المؤمنين، وقوله: ( وإن تأمر عليكم عبد حبشي ) يعني حتى لو لم يكن من العرب، لو كان من الحبشة وتولى وجعل الله له السلطة فإن الواجب السمع والطاعة له، لأنه صار أميرًا ولو قلنا بعدم السمع والطاعة له لأصبح الناس فوضى كل يعتدي على الآخر وكل يضيع حقوق الآخرين، وقوله: ( والسمع والطاعة ) هذا الإطلاق مقيد، مقيد بما قيده به النبي صلى الله عليه وسلم حيث: ( إنما الطاعة في المعروف إنما الطاعة في المعروف إنما الطاعة في المعروف ) يعني: فيما يقره الشرع، وأما ما ينكره الشرع فلا طاعة لأحد فيه، حتى لو كان الأم أو الأب أو الأمير العام أو الخاص فإنه لا طاعة له، فمثلًا: لو أمر ولي الأمر بأن لا يصلي الجنود مثلًا قلنا: لا سمع ولا طاعة لأن الصلاة فريضة فرضها الله على العباد وعليك أنت أيضًا أنت أول من يصلي وأنت أول من تفرض عليك الصلاة، فلا سمع ولا طاعة، لو أمرهم بشيء محرم كحلق اللحى مثلًا قلنا: لا سمع ولا طاعة نحن لا نطيعك إنما نطيع النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: ( أعفوا اللحى وحفوا الشوارب ) وهكذا كل ما أمر به ولي الأمر إذا كان معصية لله فإنه لا سمع له ولا طاعة، يجب أن يعصى علنا ولا يهتم به، لأن من عصى الله وأمر عباد الله بمعصية الله فإنه لا حق له في السمع والطاعة، لكن يجب أن يطاع في غير هذا، يعني ليس معنى ذلك إذا أمر بمعصية أنها تسقط طاعته مطلقًا لا إنما تسقط طاعته في هذا الأمر المعين الذي هو معصية لله، أما ما سوى ذلك فإنه يجب طاعته، وقد ظن بعض الناس أنها لا تجب طاعة ولي الأمر إلا فيما أمر الله به، وهذا خطأ لأن ما أمر الله به ننفذه ونفعله سواء أمرنا به ولي الأمر أم لا، فالأحوال ثلاثة: إما أن يكون ما أمر به ولي الأمر مأمورًا به شرعًا كما لو أمر بالصلاة مع الجماعة مثلًا فهذا يجب امتثاله لأمر الله ورسوله ولأمر ولي الأمر، وإما أن يأمر ولي الأمر بمعصية الله من ترك واجب أو فعل محرم فهنا لا طاعة له ولا سمع، وإما أن يأمر بما ليس فيه أمر شرعي ولا معصية شرعية فهذا تجب طاعته فيه، لأن الله قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) فطاعة ولي الأمر في غير معصية طاعة لله ولرسوله، والله الموفق.
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ".