شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائف منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في هذا المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( مثل ما بعثني الله به وما جئت به من الهدى كمثل غيث أصاب أرضًا ) الغيث يعني: المطر، فكانت هذه الأرض ثلاثة أقسام: ( قسم قبلت الماء ) رياض، قسم رياض قبلت الماء وأنبتت العشب الكثير والزرع فانتفع الناس بها، وقسم آخر قيعان أمسكت الماء وانتفع الناس به فسقوا منه ورووا منه، والقسم الثالث: أرض سبخة ابتلعت الماء ولم تنبت الكلأ، فهكذا الناس بالنسبة لما بعث الله به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى، منهم من فقُه في دين الله فعلم وعلّم وانتفع الناس بعلمه وانتفع هو بعلمه، وهذا كمثل الأرض التي أنبتت العشب والكلأ فأكل الناس منها وأكلت منها مواشيهم، القسم الثاني أو المثل الثاني: في قوم حملوا الهدى ولكن لم يفقهوا في هذا الهدى شيئًا، بمعنى أنهم كانوا رواة للعلم والحديث لكن ليس عندهم فقه، فهؤلاء مثلهم مثل الأرض التي حفظت الماء واستقى الناس منه وشربوا منه لكن الأرض نفسها لم تنبت شيئًا، لأن هؤلاء يروون الأحاديث وينقلونها ولكن ليس عندهم فيها فقه وفهم، والثالث: القسم الثالث: من لم يرفع بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والهدى رأسًا، وأعرض عنه ولم يبال به فهذا لم ينتفع بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينفع غيره، فمثله كمثل الأرض التي ابتلعت الماء ولم تنبت شيئًا، وفي هذا الحديث دليل على أن من فقه في دين الله وعلم من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعلم فإنه خير الأقسام، خير الأقسام من علم وفقُه لينتفع وينفع الناس، ويليه من علم ولكن لم يفقه، يعني روى الحديث وحمله لكن لم يفقه منه شيئًا، وإنما هو راوية فقط فهذا هو القسم الثاني أو هذا في المرتبة الثانية من أهل العلم والإيمان، والقسم الثالث لا خير فيه رجل أصاب ماء أصابه ما أصابه من العلم والهدى الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ولكنه لم يرفع به رأسًا ولم ينتفع به ولم يعمله الناس، فكان والعياذ بالله كمثل الأرض السبخة التي ابتلعت الماء ولم تنبت شيئًا للناس، ولم يبق الماء على سطحها حتى ينتفع الناس به، وفي هذا الحديث دليل على حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك بضرب الأمثال، لأن ضرب الأمثال الحسية يقرب المعاني العقلية، أي: ما يدرك بالعقل يقربه ما يدرك بالحس وهذا مشاهد، كثير من الناس مثلًا تفهمه وتعلمه ولكن لا يفهم فإذا ضربت له مثلًا محسوسًا فهم وانتفع، ولهذا قال الله تعالى: (( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )) وقال تعالى: (( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لعلهم يتذكرون )) فضرب الأمثال للمتعلمين من أحسن طرق التعليم ووسائل العلم، والله الموفق.