شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي ) رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مثلي ومثلكم كمثل إنسان أوقد نارًا ) يعني: أراد النبي عليه الصلاة والسلام بهذا المثل أن يبين حاله مع أمته عليه الصلاة والسلام، وذكر أن هذه الحال كحال رجل في برية أوقد نارًا ( فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها ) الجنادب نوع من الجراد يسمى عندنا في اللغة الجخدب، أما الفراش فمعروف، يقعن فيها لأن هذه هي عادة الفراش والجنادب والحشرات الصغيرة إذا أوقد الإنسان نارًا في البر فإنها تأوي إلى هذا الضوء، قال: ( وأنا آخذ بحجزكم ) يعني: لأمنعنكم من الوقوع فيها ( ولكنكم تفلتون من يدي ) ففي هذا دليل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم وجزاه الله عنا خيرًا على حماية أمته من النار، وأنه يأخذ بحجزها ويشدها حتى لا تقع في هذه النار، ولكننا نفلت من ذلك، نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، فالإنسان ينبغي له أن ينقاد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون لها طوعًا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يدله على الخير واتقاء الشر، كالذي يأخذ بحجزتك يأخذ بها حتى لا تقع في النار، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كما وصفه الله: (( لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) صلوات الله وسلامه عليه
وفي هذا الحديث من الفوائد: أنه ينبغي للإنسان بل يجب أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه وفي كل ما فعله وفي كل ما تركه، يعني: يلتزم بذلك ويعتقد أنه الإمام المتبوع، لكن من المعلوم أن من الشريعة ما هو واجب يأثم الإنسان بتركه، وما هو محرم يأثم بفعله، ومنها ما هو مستحب إن فعله فهو خير وأجر وإن تركه فلا إثم عليه، وكذلك من الشريعة ما هو مكروه كراهة تنزيه إن تركه الإنسان فهو خير له وإن فعله فلا حرج عليه، لكن المهم أن تلتزم بالسنة عمومًا، وأن تعتقد أن إمامك ومتبوعك محمد صلى الله عليه وسلم، كما يكون صاحب هذه النار التي أوقدها وجعلت الجنادب والفراش تقع فيها وهو يأخذ بنا، ومن فوائد هذا الحديث: بيان عظم حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وأنه لا يألو جهدًا في منعها وصدها عن كل ما يضرها في دينها ودنياها، وبناء على ذلك فإذا رأيت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فاعلم أن فعله شر لك، ولا تبقى تقول هل هو للكراهة هل هو للتحريم، اترك ما نهى عنه سواء للكراهة أو للتحريم، ولا تعرض نفسك لأن الأصل في نهي الرسول عليه الصلاة والسلام أنه للتحريم إلا إذا قام دليل أنه للكراهة كراهة التنزيه، وكذلك إذا أمر بشيء لا تقل هل هذا واجب أو غير واجب، افعل هو خير لك إن كان واجبًا فقد أبرأت ذمتك وتحصلت على الأجر، وإن كان مستحبًّا فقد حصلت على الأجر وكنت متبعًا تمام الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم اتباعه ظاهرًا وباطنًا.