فائدة : حكم الرشوة ، وحكم دفعها إذا منع الإنسان حقه إلا بها . حفظ
الشيخ : ( أن رجلًا بعثه النبي عليه الصلاة والسلام على الصدقة يعني عاملًا على الصدقة يأخذها من أهلها فرجع إلى المدينة ومعه إبل فقال: هذه لكم وهذه أهديت إلي ) فخطب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ( ما بال أحدكم نستعمله على العمل ) يعني من أعمالنا ( فيرجع ويقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا ) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يهد لهذا العامل الذي تبع الدولة إلا من أجل أنه عامل، لو كان يريدون أن يهدوا إليه لشخصه لأهدوا إليه في بيت أبيه وأمه، ومن هذا الحديث نعرف عظمة الرشوة وأنها من عظائم الأمور التي أدت إلى أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا يخطب في الناس ويحذرهم من هذا العمل، لأنه إذا فشا في قوم الرشوة هلكوا وصار كل واحد منهم لا يقول الحق ولا يحكم بالحق ولا يقوم بالعدل، إلا إذا رُشي والعياذ بالله، والرشوة ملعون آخذها، ملعون آخذها وملعون معطيها إلا إذا كان الآخذ يمنع حق الناس إلا برشوة، فحينئذ تكون اللعنة على هذا الآخذ لا على المعطي، لأن المعطي إنما يريد أن يعطي ليأخذ حقه فهو معذور، كما يوجد والعياذ بالله الآن في بعض المسؤولين في الدول الإسلامية من لا يمكن أن يمشي الناس إلا بهذه الرشوة والعياذ بالله، فيكون آكلًا للمال بالباطل معرضًا نفسه للعنة نسأل الله العافية، والوجب على من ولاه الله عملًا أن يقوم به بالعدل وأن يقوم به بالواجب فيه بحسب المستطاع، ومن ذلك أيضًا أن بريرة وهي أَمَةٌ لجماعة من الأنصار مملوكة كاتبها أهلها على تسع أواق من الفضة، فجاءت إلى عائشة تستعينها تقول: أعينيني لتقضي كتابتها فقالت: ( إن شاء أهلها أن أعدها لهم ) يعني: أنقدها نقدًا ( ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها ) يعني: أسيادها ( فقالت لهم ذلك فقالوا لا الولاء لنا فرجعت بريرة إلى عائشة وأخبرتها بأن أهلها قالوا لا بد أن يكون الولاء لنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق، فأخذتها واشترطت الولاء لهم، ثم خطب الناس عليه الصلاة والسلام وقال: ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق ) ومن ذلك أيضًا أن امرأة من بني مخزوم كانت تقول للناس أعيروني أعيروني شيئًا فيعيرونها المتاع القدر القربة وما أشبه من ذلك من متاع البيت، ثم بعد ذلك تقول: ما أعرتموني شيئًا تجحد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها، لأنها سارقة هذه سرقة فاهتمت قريش لهذا الأمر كيف تقطع يد مخزومية من بني مخزوم من كبار قبائل العرب، فطلبوا من يشفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأرسلوا أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويحب أباه، فقال له يشفع قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتشفع في حد من حدود الله؟ ) يقوله منكرًا عليه، لأن حدود الله ما فيها شفاعة إذا وصلت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع له، ثم قام في الناس يخطب فقال: ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأخبر أن هذا هو الذي أهلك الأمم السابقة ) ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( وايم الله ) يعني: أحلف بالله ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) فهل هذه المخزومية أفضل أم فاطمة بنت محمد؟ فاطمة بنت محمد يقول: ( لو سرقت لقطعت يدها ) فهذه من الخطب العارضة، فكان صلوات الله وسلامه عليه من هديه أنه يخطب الناس لأمور عارضة أو لأمور راتبة، وسبق لنا حديث العرباض بن سارية قال: ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ) وسبق الكلام عليها، وينبغي للإنسان من قاضي أو مفتي أو عالم أو داعية أن يخطب الناس في الأمور العارضة التي يحتاجون فيها إلى بيان الحق، وفي الأمور الراتبة مثل الجمعة والعيدين والاستسقاء والخسوف كما مرَّ، وهذا من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن تبليغه، لأن الشيء إذا جاء في وقته عند حاجته.