شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال ( إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو وإنه يفقأ العين ويكسر السن ) متفق عليه وفي رواية أن قريبا لابن مغفل خذف فنهاه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال ( إنها لا تصيد صيدا ) ثم عاد فقال أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم عدت تخذف لا أكلمك أبدا ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: إنه لا يقتل صيدًا ) وفي لفظ ( لا يصيد صيدًا ولا ينكأ عدوًّا، وإنما يفقأ العين ويكسر السن ) الخذف والحذف قال العلماء: معناه أن الإنسان يضع حصاة بين السبابة والإبهام، السبابة والسباحة هي الإصبع التي تلي الإبهام، فيضع على الإبهام حصاة ويدفعه بالسبابة أو يضع على السبابة ويدفعه بالإبهام، ثم ينقز هذا الحجر ويصيب ما شاء الله، لكن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عنه، لأنه كما قال عليه الصلاة والسلام: ( يفقأ العين ) يعني: يضربها يفضخها ( ويكسر السن ) إذا أصابه، ولا يصيد الصيد لأنه ليس له نفوذ، ولا ينكأ العدو يعني لا يدفع العدو، لأن العدو إنما ينكأ بالسهام لا بهذا الحصيات الصغيرة ( ثم إن ابنا له خرج لعبد الله بن المغفل يخذف فنهاه وقال: أخبرتك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف فجعلت تخذف، لا أكلمك أبدًا ) فهجره لأنه خالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كما فعل عبد الله بن عمر في أحد أبنائه حين حدثه -أي ابن عمر- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) فقال أحد أبنائه وهو بلال على أكثر الروايات بلال بن عبد الله بن عمر لا بلال المؤذن قال: " والله لنمنعهن "، لأن النساء تغيرن بعد عهد النبي عليه الصلاة والسلام والناس تغيروا فقال بلال: " والله لنمنعهن " ( فأقبل عليه أبوه عبد الله بن عمر وجعل سبه سبًّا عظيمًا ما سبه مثله قط، وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لنمنعهن ثم هجره حتى مات ) لم يكلمه، فدل هذا على عظم تعظيم السلف الصالح لاتباع السنة، فهذا عبد الله بن مغفل أقسم ألا يكلم ابنه لأنه خذف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف، وهذا ابن عمر هجر ابنه حتى مات لأنه قال: " والله لنمنعهن "، وهكذا يجب على كل مؤمن أن يعظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا قال قائل: هل مثل هذا الأمر يوجب الهجر؟ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجر عن هجر المؤمن فوق ثلاث؟ الجواب عن هذا: أن هذين الصحابيين وأمثالهما ممن فعل مثل فعلهما فعلا ذلك من باب التعزيز ورأيا أن في هذا تعزيرًا لهذين الرجلين، وإلا فالأصل أن المؤمن إذا فعل ذنبًا وتاب منه فإنه يغفر له ما سلف، حتى الكفار إذا تابوا غفر الله لهم ما سبق، قال الله تعالى: (( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ )) كل ما مضى، ولكن نظرًا لأن هذين الصحابيين رضي الله عنهما أرادا أن يعزرا من خالف أمر النبي عليه الصلاة والسلام إما بقوله وإما بفعله ولو عن اجتهاد، لأن بلال بن عبد الله بن عمر إنما قال ذلك عن اجتهاد، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعارض قول الرسول هذه المعارضة، الرسول يقول: ( لا تمنعوا ) وهو يقول: " والله لنمنعهن " هذه معارضة ظاهرة ولو قال مثلًا: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد في زمن النيات فيه سليمة والأعمال مستقيمة وتغيرت الأحوال وأتى بها على هذا الوجه لكان أهون، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها لكنها عائشة فقيهة قالت: ( لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع النساء من بعده لمنعهن ) يعني: من المساجد ( كما منعت بنو إسرائيل نساءها ) ولكن على كل حال ما فعله عبد الله بن مغفل وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يدل على تعظيم السنة وأن الإنسان يجب أن يقول في حكم الله ورسوله: سمعنا وأطعنا، والله الموفق.