شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور . قال الله تعالى (( فماذا بعد الحق إلا الضلال )) وقال تعالى (( ما فرطنا في الكتاب من شيء )) وقال تعالى (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) أي الكتاب والسنة وقال تعالى (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) وقال تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )) والآيات في الباب كثيرة معلومة ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور " البدع هي الأشياء التي يبتدعها الإنسان هذا هو معناها في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى: (( بديع السماوات والأرض )) أي: خالقهما على غير مثال سبق يعني لم يسبقهما نظير بل ابتدعهما وأنشأهما أولًا، والبدعة في الشرع: كل من تعبد لله سبحانه وتعالى بغير ما شرع عقيدةً أو قولًا أو فعلًا، فمن تعبد لله بغير ما شرعه الله من عقيدة أو قول أو فعل فهو مبتدع، فإذا أحدث الإنسان عقيدة في أسماء الله وصفاته مثلًا فهو مبتدع، أو قال قولًا لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع، أو فعل فعلًا لم يشرعه الله ورسوله فهو مبتدع، وليعلم أن الإنسان المبتدع يقع في محاذير كثيرة أولًا: أن ما ابتدعه فهو ضلال، ما ابتدعه فهو ضلال بنص القرآن والسنة، وذلك أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الحق، وقد قال الله تعالى: (( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ )) هذا دليل القرآن، السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعة ضلالة ) ( كل بدعة ضلالة ) ومعلوم أن المؤمن لا يختار أن يتبع طريق الضالين الذين يتبرأ منهم المصلي في كل صلاة (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )) ثانيًا: أن في البدعة خروجًا عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )) فمن ابتدع بدعة يتعبد لله بها فقد خرج عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعها فيكون خارجًا عن شرعة الله فيما ابتدعه، الثالث: أن هذه البدعة التي ابتدعها تنافي تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، لأن من حقق شهادة أن محمدًا رسول الله فإنه لا يخرج عن التعبد بما جاء به، بل يلتزم شريعته ولا يتجاوزها ولا يقصر عنها، فمن قصر في الشريعة أو زاد فيها فقد قصر في اتباعه إما بنقص أو بزيادة، وحينئذ لا يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله، الرابع: أو الخامس، الرابع: أن مضمون البدعة الطعن في الإسلام، فإن الذي يبتدع تتضمن بدعته أن الإسلام لم يكمل وأنه كمل الإسلام بهذه البدعة، وقد قال الله تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )) فيقال لهذا المبتدع: أنت الآن أتيت بشريعة غير التي كمل عليها الإسلام وهذا يتضمن الطعن في الإسلام، وإن لم تطعن فيه بلسانك لكن طعنت فيه بفعلك، أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أين الصحابة عن هذه العبادة التي ابتدعتها؟ أهم في جهل منها؟ أم في تقصير عنها؟ إذًا هذا يكون طعنًا في الشريعة الإسلامية، الخامس: أنه يتضمن الطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هذه البدعة التي زعمت أنها عبادة إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بها فحينئذ يكون جاهلًا، وإما أن يكون قد علم بها ولكن كتمها وحينئذ يكون كاتما للرسالة أو لبعضها، وهذا خطير جدًّا، السادس: أن البدعة تتضمن تفريق الأمة الإسلامية، لأن الأمة الإسلامية إذا فتح الباب لها في البدع صار هذا يبتدع شيئًا وهذا يبتدع شيئًا كما هو الواقع الآن، فتكون الأمة الإسلامية كل حزب منها بما لديه فرح (( كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) كل حزب يقول: الحق معي والضلال مع الآخر، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُون )) فإذا صار الناس يبتدعون البدع تفرقوا وصار كل واحد يقول: الحق معي وفلان ضال مقصر، ويرميه بالكذب والبهتان وسوء القصد وما أشبه ذلك، ونضرب لهذا مثلًا: أولئك الذين ابتدعوا عيد ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام وصاروا يحتفلون بما يدعون أنه اليوم الذي ولد فيه، وهو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول أتدرون ماذا يقولون لمن لا يفعل هذه البدعة؟ يقولون: هؤلاء يبغضون الرسول ويكرهونه ولهذا لم يفرحوا بمولده ولم يقيموا له احتفالًا وما أشبه ذلك، فتجدهم يرمون أهل الحق بما هم أحق به منهم، الحقيقة أن المبتدع بدعته تتضمن أنه يبغض الرسول عليه الصلاة والسلام وإن كان يدعي أنه يحبه، لأنه إذا ابتدع هذه البدعة والرسول عليه الصلاة والسلام لم يشرعها للأمة فهو كما قلت لكم أولًا إما جاهل وإما كاتم، سابعًا: أن البدعة إذا انتشرت في الأمة اضمحلت السنة، لأن الناس يعملون فإما بخير وإما بشر، ولهذا قال بعض السلف: " ما ابتدع قوم بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها " يعني أو أشد، فالبدع تؤدي إلى نسيان السنن واضمحلالها بين الأمة الإسلامية، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على البدع وبيان خطرها على الأمة الإسلامية، ونحن قد لا نتكلم في نية الفاعل قد يكون بعض الناس ابتدع هذه البدعة بنية حسنة لكن يكون أحسن في قصده وأساء في فعله، ولا مانع من أن يكون القصد حسنًا والفعل سيئًا، ولكن يجب على من علم أنه فعله سيء أن يرجع عن فعله وأن يتبع السنة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من المفاسد أيضًا أن المبتدع لا لا يحكم الكتاب والسنة لأنه يرجع إلى هواه يحكم هواه، وقد قال الله تعالى: (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )) (( إِلَى اللَّهِ )) إلى كتابه عز وجل (( وَالرَّسُولِ )) إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، والله الموفق.