شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : يعني لا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا ولا يمثلون صفات الله بصفات خلقه ولا يكيفونها فيقولون مثلًا: كيفية صفة الله كذا وكذا ولا يعطلون النصوص عن مدلولها، ولا يخلون الله تعالى مما وصف به نفسه، فجاء هؤلاء المبتدعة وصاروا يتخبطون خبط عشواء، فمنهم من يثبت الأسماء دون الصفات، ومنهم من يثبت الأسماء وبعض الصفات وينكر كثيرًا منها، ومنهم من لا يثبت لا أسماء ولا صفات والعياذ بالله، بل منهم من وصلت بهم البدعة إلى حد يصف به الله بما يقتضي أنه ليس بموجود نسأل الله العافية، وهم في ذلك كله ينتسبون إلى الإسلام ويقولون نحن مسلمون، وبه نعرف أنه ليس كل من انتسب للإسلام يكون مسلمًا، بل قد يكون من أكبر الملاحدة وهو يقول إنه مسلم وهو كاذب فيما يدعيه، أما حديث عائشة هذا فإنه نصف العلم لأن الأعمال إما ظاهرة وإما باطنة، فالأعمال الباطنة ميزانها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) ميزان الأعمال الظاهرة حديث عائشة هذا ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي: مردود على صاحبه غير مقبول منه، وقوله: ( في أمرنا ) المراد به ديننا وشرعنا، قال الله تعالى: (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا )) فأمر الله المراد به في هذا الحديث هو شرع الله، من أحدث فيه ما ليس منه فهو رد، وفي هذا دليل واضح على أن العبادة إذا لم نعلم أنها من دين الله فهي مردودة، ويستفاد من هذا الذي علمناه من هذا الحديث أنه لا بد من العلم، لأن العبادة مشتملة على الشروط والأركان، أو غلبة الظن إذا كان يكفي عن العلم، كما في بعض الأشياء مثلًا الصلاة إذا شككت في عددها وغلب على ظنك عدد فامش على ما غلب على ظنك، الطواف بالبيت سبعة أشواط وإذا غلب على ظنك عدد فامش على ما غلب على ظنك، كذلك الطهارة إذا غلب على ظنك أنك أسبغت الوضوء كفى، فالمهم أنه لا بد من العلم أو الظن إذا دلت النصوص على كفايته، وإلا فإن العبادة مردودة، وإذا كانت العبادة مردودة فإنه يحرم على الإنسان أن يتعبد لله بها، لأنه إذا تعبد لله بعبادة لا يرضاها ولم يشرعها لعباده صار كالمستهزئ بالله والعياذ بالله، حتى إن بعض العلماء قال: إن الإنسان إذا صلى محدثًا متعمدًا خرج من الإسلام، لأنه مستهزئ، بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه ويعيد، وفي اللفظ الثاني: ( من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد ) وهو أشد من الأول لأن قوله: ( من عمل عملًا ليس عليه أمرنا ) يعني لا بد أن نعلم بأن كل عمل عملناه عليه أمر الله ورسوله وإلا فهو مردود، وهو يشمل العبادات ويشمل المعاملات، ولهذا لو باع الإنسان بيعًا فاسدا أو رهن رهنا فاسدًا أو أوقف وقفا فاسدًا فكله غير صحيح ومردود على صاحبه ولا ينفذ، والله أعلم.