تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر ( لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ... ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب علي هم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) . متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : سبق لنا الكلام على أكثر هذا الحديث حتى وصلنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ) فأمره عليه الصلاة والسلام بأمرين: الأمر الأول: الدعوة إلى الإسلام بأن يقول لهم: أسلموا، وإذا كانوا يعرفون معنى الإسلام كفى إذا قال أسلم، وإن كانوا لا يعرفونه فإنه يبين لهم أن الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت.
الأمر الثاني: قال: ( وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه ) وهو السمع والطاعة لأوامر الله ورسوله لأجل أن يكون الداخل في الإسلام داخلًا على بصيرة، لأن بعض الناس يدخل في الإسلام على أنه دين ولكن لا يدري ما هو، ثم إذا بينه له الشرائع ارتد والعياذ بالله، فصار كفره الثاني أعظم من كفره الأول، لأن الردة لا يُقر عليها صاحبها بل يقال له: إما أن ترجع لما خرجت منه وإما أن نقتلك، ولهذا ينبغي لنا في هذا العصر لما كثر الكفار بيننا من نصارى وبوذيين ومشركين وغيرهم إذا دعوناهم إلى الإسلام أن نبين لهم الإسلام أولًا، نشرحه شرحًا يتبين فيه الأمر حتى يدخلوا على بصيرة، لا نتركهم هكذا فقط أسلموا أسلموا فقط، لأنهم لا يعرفون ما يجب عليهم من حق الله تعالى في الإسلام، فإذا دخلوا على بصيرة صار لنا العذر فيما بعد إذا ارتدوا أن نطلب منهم الرجوع إلى الإسلام أو نقتلهم، أما أن يبين لهم إجمالًا هكذا فإنه فإنها دعوة قاصرة، والدليل على هذا حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الذي كنا الآن نشرحه، وفي هذا الحديث في قوله: ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحد خير لك من حمر النعم ) يهديه أي يوفقه بسببك إلى الإسلام فإنه خير لك من حمر النعم، يعني من الإبل الحمر، وذلك لأن الإبل الحمر عند العرب كانت من أنفس الأموال إن لم تكن أنفس الأموال، ففعل رضي الله عنه ونزل بساحتهم ودعاهم إلى الإسلام ولكنهم لم يسلموا، ثم في النهاية كانت الغلبة ولله الحمد للمسلمين ففتح الله على يد علي بن أبي طالب والقصة مشهورة في كتب المغازي والسير، لكن الشاهد من هذا الحديث أنه أمرهم أن يدعوهم إلى الإسلام وأن يخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، وفي هذا الحديث من الفوائد:
ظهور آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم وهي أنه لما بصق في عيني علي بن أبي طالب برىء حتى كأن لم يكن به وجع، وفيه أيضًا آية أخرى وهو قوله: ( يفتح الله علي يديه ) وهو خبر غيبي، ومع ذلك فتح الله علي يديه، وفيه أيضًا من الفوائد: أنه ينبغي نصب الرايات في الجهاد وهي الأعلام وأن يجعل لكل قوم راية معينة يعرفون بها كما سبقت الإشارة إليه، وفيه أيضًا من الفوائد: تحري الإنسان للخير والسبق إليه، لأن الصحابة جعلوا في تلك الليلة يدوكون ليلتهم يعني يدوكون في ليلتهم فهي منصوبة على الظرفية، يعني أنهم يبحثون من يكون من، وفيه أيضًا أن الإنسان قد يعطى الشيء من غير أن يخطر له على بال، وأن يحرم من كان متوقعًا أن يناله هذا الشيء، لأن علي بن أبي طالب كان مريضًا في عينيه ولا أظنه يخطر بباله أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيعطيه الراية ومع ذلك أدركها، وفضل الله تعالى يؤتيه من يشاء، والله الموفق.