تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الدين النصيحة ... ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
سبق الكلام على جملتين من هذا الحديث وهما: النصيحة لله والنصيحة لكتاب الله، أما الثالث بل أما الثالثة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولرسوله ) النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتضمن أشياء: الأول: الإيمان التام برسالته وأن الله سبحانه وتعالى أرسله إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم بل إنسهم وجِنهم، قال الله عز وجل: (( وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً )) وقال تعالى : (( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً )) للعالمين، وقال تعالى: (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) والآيات في هذا كثيرة فتؤمن بأن محمدًا رسول الله إلى جميع الخلق من جن وإنس، ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تصديق خبره وأنه صادق مصدوق، صادق فيما يخبر به مصدوق فيما أخبر به من الوحي، فما كذَب ولا كذّب عليه الصلاة والسلام، ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الاتباع صدق الاتباع له بحيث لا تتجاوز شريعته ولا تنقص عنها، تجعله إمامك في جميع العبادات فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو إمام هذه الأمة وهو متبوعها، ولا يحل لأحد أن يتبع سواه إلا من كان واسطة بينه وبين الرسول بحيث يكون عنده من علم السنة ما ليس عندك، فحينئذ لا حرج أن تتبع هذا الرجل بشرط أن تكون معتقدًا بأنه واسطة بينك وبين الشريعة لا أنه مستقل، لأنه لا أحد يستقل بالتشريع إلا الرسول عليه الصلاة والسلام بأمر الله، أما من سواه فهو مبلغ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( بلغوا عني ولو آية ) ( بلغوا عني ولو آية ) ومن النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الذب عن شريعته وحمايتها، فالذب عنها بأن لا ينتقصها أحد، الذب عنها بأن لا يزيد فيها أحد ما ليس منها، فتحارب أهل البدع القولية والفعلية والعقدية، لأن البدع كلها باب واحد، كلها حقل واحد، كلها ضلالة ،كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل بدعة ضلالة ) لا يستثنى من هذا بدعة قولية ولا فعلية ولا عقدية، كل ما خالف هدي النبي عليه الصلاة والسلام وما جاء به في العقيدة أو في القول أو في العمل فهو بدعة، فمن النصيحة للرسول عليه الصلاة والسلام أن تحارب أهل البدع بمثل ما يحاربون به السنة، إن حاربوا بالقول فبالقول، وإن حاربوا بالفعل فبالفعل جزاءً وفاقًا، لأن هذا من النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن النصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم احترام أصحابه وتعظيمهم ومحبتهم، لأن صَحْب الإنسان لا شك أنهم خاصته من الناس وأخص الناس به، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم خير القرون، لأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن سبّ الصحابة أو أبغضهم أو لمزهم أو أشار إلى شي يبهتهم فيه فإنه لم ينصح للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أنه ناصح للرسول فهو كاذب، كيف تسب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وتبغضهم وأنت تحب الرسول وتنصح له؟ وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) فإذا كان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يسبهم الساب المفتري الكذاب فإنه في الحقيقة قد سبّ الرسول عليه الصلاة والسلام ولم ينصح له، بل هو في الحقيقة قدح في الشريعة لأن حملة الشريعة إلينا هم الصحابة رضي الله عنهم، فإذا كانوا أهلًا للسبّ والقدح لم يوثق بالشريعة، لأن نقلتها أهل ذم وقدح بل إن سبّ الصحابة سبّ لله عز وجل نسأل الله العافية، وقدح في حكمته أن يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم ولحمل دينه من هم أهل للذم والقدح، إذًا من النصيحة للرسول عليه الصلاة والسلام محبة أصحابه واحترامهم وتعظيمهم فهذا من الدِّين، فصار النصح للرسول عليه الصلاة والسلام يتضمن هذه الأمور كلها، والله أعلم.
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه مسلم ".