تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . قال الله تعالى (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )) وقال تعالى (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )) وقال تعالى (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) وقال تعالى (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) وقال تعالى (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
تكلمنا على أول الآية في قوله تعالى: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) وذكرنا شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي ختام الآية يقول الله عز وجل: (( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) (( أُولَئِكَ )) المشار إليهم تلك الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والمفلح هو الذي فاز بمطلوبه ونجا من مرهوبه، وهنا قال: (( أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) وهذه الجملة تفيد عند أهل العلم باللغة العربية تفيد الحصر، أي: أن الفلاح إنما يكون لهؤلاء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الخير، ثم قال عز وجل بعدها: (( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَات )) والنهي عن التفرق بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدل على أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للتفرق، وذلك أن الناس إذا كانت لهم مشارب متعددة مختلفة تفرقوا، هذا يعمل طاعة وهذا يعمل معصية، وهذا يعمل سكر وهذا يعمل صلاة وما أشبه ذلك، تتفرق الأمة يكون لكل طائفة مشرب، ولهذا قال: (( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا )) إذًا لا يجمع الأمة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو أن الأمة أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وتحاكمت إلى الكتاب والسنة ما تفرقت أبدًا، ولحصل لهم الأمن ولكان لهم أمن أشد من أمن كل أمن، كما قال الله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) الدول الآن الكبرى والصغرى كلها تكرس جهودًا كبيرة جبارة لحفظ الأمن، ولكن كثير من المسلمين غفلوا عن هذه الآية، الأمن التام موجود في هاتين الكلمتين (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ )) إذا تحقق الإيمان في الشعب ولم يلبس إيمانه بظلم فحينئذ يحصل له الأمن، واضرب مثلًا قريبًا للأفهام بعيدا في الأزمان في صدر هذه الأمة المباركة كان أكبر مسؤول فيها ينام وحده في المسجد ويمشي في السوق وحده لا يخاف إلا الله، عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكوم الحصباء في المسجد وينام عليها ليس عنده حارس ولا يحتاج إلى أحد يحرسه لا في السوق ولا في بيته ولا في المسجد، لماذا؟ لأن الإيمان الخالص الذي لم يلبس بظلم أي لم يخلط بظلم كان في ذلك الوقت، فكان الناس آمنين، ثم ذهب عهد الخلفاء الراشدين وجاء عهد بني أمية وصار في أمراء بني أمية من حاد عن سبيل الخلفاء الراشدين، فحصل الاضطراب وحصلت الفتن وقامت الخوارج وحصل الشر، ثم جاء عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله فاستتب الأمن، أمن الناس وأصبح الناس يسافرون ويذهبون ويجيئون وهم آمنون، ولكن الله عز وجل بحكمته لم يمد له في الخلافة كانت خلافته سنتين وأشهرًا، فالمهم أن الأمن كل الأمن ليس بكثرة الجنود ولا بقوة السلاح ولا بقوة الملاحظة والمراقبة، ولكن الأمن في هذين الأمرين فقط (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) ثم قال ذكر المؤلف رحمه الله في سياق الآيات قول الله تعالى: (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) (( الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )) كل واحد يتولى الثاني ينصره يساعده، وانظر إلى هذه الآية في المؤمنين قال: (( الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )) وفي المنافقين قال: (( والْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ )) وليسوا أولياء لبعض، بل المؤمن هو ولي أخيه (( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ))، وفي هذه الآية دليل على أن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست خاصة بالرجال، بل حتى النساء عليهن أن يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر، لكن في حقول النساء ليس في مجامع الرجال وفي أسواق الرجال لكن في حقول النساء ومجتمعات النساء، في أيام العرس أيام الدراسة وما أشبه ذلك إذا رأت المرأة منكرًا تنهى عنه وإذا رأت تفريطا في واجب تأمر به، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مؤمن ومؤمنة (( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته ومغفرته.