شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال رحمه الله تعالى فيما نقله عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ( بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أو بايعنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا ) بايعوه على السمع والطاعة يعني: لمن ولاه الله الأمر، لأن الله تعالى قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) وقد سبق لنا بيان من هم أولو الأمر وذكرنا أنهم طائفتان: العلماء والأمراء، كلهم ولاة أمور، لكن العلماء أولياء أمر في العلم والبيان، وأما الأمراء فهم أولياء أمر في التنفيذ والسلطان، يقول: ( بايعناه على السمع والطاعة ) ويستثنى من هذا معصية الله عز وجل، فلا يبايع عليها أحد، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه حين تولى الخلافة قال: ( أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ) فإذا أمر ولي الأمر بمعصية من المعاصي فإنه لا يجوز لأحد أن يسمع له أو يطيع، لأن ملك الملوك رب العالمين عز وجل، ولا يمكن أن يعصى رب العالمين لطاعة من هو مملوك مربوب لأن كل من سوى الله فإنهم مملوكون لله عز وجل، فكيف يقدم الإنسان طاعتهم على طاعة الله؟ إذًا يستثنى من قوله: ( السمع والطاعة ) ما دلت عليه النصوص من أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقوله: ( في عسرنا ويسرنا ) يعني سواء كنا معسرين بالمال أو موسرين، يجب علينا جميعًا أغنيائنا وفقرائنا أن نطيع ولاة أمورنا ونسمع لهم، وكذلك في منشطنا ومكرهنا يعني سواء كنا كارهين لذلك لكونهم أمروا بما لا نهواه ولا نريده أو كنا نشيطين في ذلك لكونهم أمروا بما يلائمنا ويوافقنا، المهم أن نسمع ونطيع في كل حال إلا ما استثني مما سبق، قال: ( وأثرة علينا ) أثرة يعني استئثارًا علينا، يعني لو كان ولاة الأمر يستأثرون على الرعية بالمال أو غيره مما يرفهون به أنفسهم ويحرمون من ولاهم الله عليهم فإنه يجب علينا السمع والطاعة، لا نقول: أنتم أكلتم الأموال أفسدتموها بذرتموها فلا نطيعكم، لا، نقول: سمعا وطاعة لله رب العالمين ولو كان لكم استئثار علينا، ولو كنا نحن لا نسكن إلا الأكواخ ولا نفترش إلا الخَلَق من الفرش وأنتم تسكنون القصور وتتمتعون بأفضل الفرش لا يهمنا هذا، لأن هذا كله متاع الدنيا وستزولون عنه أو يزول عنكم إما هذا أو هذا، أما نحن فعلينا السمع والطاعة ولو وجدنا من يستأثر علينا من ولاة الأمور، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: ( اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) وظلمه سوف تقتص منه يوم القيامة أنت من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئات من ظلمهم ثم طرح عليه ثم طرح في النار والعياذ بالله، الأمر مضبوط ومحكم لا يضيع على الله شيء، ثم قال: ( وألا ننازع الأمر أهله ) يعني لا ننازع ولاة الأمور ما ولاهم الله علينا لنأخذ الإمرة منهم، فإن هذه المنازعة توجب شرًّا كثيرًا وفتنًا عظيمة وتفرقًا بين المسلمين ،ولم يدمر الأمة الإسلامية إلا هذا إلا منازعة الأمر أهله، من عهد عثمان رضي الله عنه إلى يومنا هذا ما أفسد الناس إلا منازعة الأمر أهله،
قال: ( إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان ) ثلاثة شروط، إذا رأينا هذا وتمت الشروط الثلاثة فحينئذ ننازع الأمر أهله ونحاول إزالتهم عن ولاية الأمر، لكن الشروط ثلاثة: أن تروا فلا بد من علم، مجرد الظن لا يجوّز الخروج على الأئمة، لا بد أن نعلم وأن أن نعلم كفرًا، كفرًا يعني لا فسقًا، الفسوق مهما فسق ولاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم لو شربوا الخمر لو زنوا لو ظلموا الناس لا يجوز الخروج عليهم، لكن إذا رأينا كفرًا صريحًا، وقوله: ( بواحًا ) هذا معناه الصريح، والبواح الشيء البين الظاهر، فأما ما يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج عليهم، يعني لو قدرنا أنهم فعلوا شيئًا نرى أنه كفر لكن فيه احتمال أنه ليس بكفر فإنه لا يجوز أن ننازعهم أو نخرج عليهم ونوليهم ما تولوا، لكن إذا كان بواحًا صريحًا مثل: لو أن وليًّا من ولاة الأمور قال لشعبه إن الخمر حلال، إن الخمر حلال اشربوا ما شئتم، وإن اللواط حلال تلوطوا بمن شئتم، وإن الزنى حلال ازنوا بمن شئتم، هذا كفر بواح ما فيه إشكال، هذا يجب على الرعية أن يزيلوه بكل وسيلة ولو بالقتل، لأن هذا كفر بواح، الشرط الثالث: ( عندكم فيه من الله برهان ) يعني: عندنا دليل قاطع على أن هذا كفر، فإن كان الدليل ضعيفًا في ثبوته أو ضعيفًا في دلالته فإنه لا يجوز الخروج عليهم، لأن الخروج فيه شر كثير جدًّا عظيم مفاسد عظيمة فهذه إن شئتم فقولوا ثلاثة شروط وإن شئتم قولوا أربعة ( أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان ) هذه أربعة شروط لنجعلها أربعة يكون أوضح، طيب وإذا رأينا هذا فلا تجوز المنازعة حتى يكون لدينا قدرة على إزاحته، فإن لم يكن لدينا قدرة فلا تجوز المنازعة، لأنه ربما إذا نازعنا وليس عندنا قدرة يقضي على البقية الصالحة وتتم سيطرته، وهذه الشروط شروط للجواز أو للوجوب وجوب الخروج على الإمام على ولي الأمر، لكن بشرط أن يكون لدينا قدرة فإن لم يكن قدرة فإنه لا يجوز الخروج لأن هذا من إلقاء النفس إلى التهلكة، أيّ فائدة إذا خرجنا على هذا الولي الذي رأينا عنده كفرًا بواحًا عندنا فيه من الله برهان ونحن لم نخرج إليه إلا بسكين المطبخ وهو معه الدبابات والرشاشات، أي فائدة؟ لا فائدة، معنى هذا أننا خرجنا لنقتل أنفسنا نعم لنا أن نتحيل بكل حيلة على القضاء عليه وعلى حكمه هذا طيب بالشروط الأربعة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام: ( أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان ) والله الموفق.
القارئ : نقل المؤلف رحمه الله تعالى: " عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله تعالى فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) متفق عليه ".