تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ) فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ خاتمك انتفع به قال لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : يقتدي به أحد، وفي هذا الباب أعني باب استعمال الذهب والفضة نقول: استعمال الذهب والفضة إما أن يكون في أكل وشرب فهذا حرام على الرجال والنساء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة، لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ) وقال في الذي يشرب في إناء الفضة: ( إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) ولا فرق في هذا بين الرجال والنساء، فكما أن الرجل يحرم عليه أن يأكل بالذهب أو بالفضة فكذلك المرأة، ولا فرق بين أن يكون إناء مما يوضع فيه الطعام كله أو جزء، فالملاعق من الفضة أو من الذهب يحرم الأكل بها، ومن أكل بها فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم، وكذلك الشرب الفناجيل اللي فيها الذهب المذهبة بشيء من الذهب أو من الفضة هذه أيضًا حرام، حتى العروة من الذهب محرمة ولا تحل لا للرجال ولا للنساء، أما في باب اللباس فلما كانت المرأة محتاجة إلى التزين والتحلي أبيح لها من التحلي بالذهب والفضة ما جرت به العادة، وأما الرجل فليس بحاجة إلى هذا الرجل كامل برجولته، والمرأة محتاجة إلى التكميل وإلى التزين، ولهذا أبيح لها من الذهب والفضة ما لا يباح للرجل، فالرجل يحرم عليه لباس الذهب مطلقًا، ويجوز له أن يلبس من الفضة الخاتم وشبهه كما جاءت به السنة، وفي هذا الحديث دليل على ورع الصحابة رضي الله عنهم، وعلى انصياعهم لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن هذا الرجل ترك هذا الخاتم لما طرحه النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فبإمكانه أن يأخذه ويلبسه زوجته أو ابنته أو إحدى نسائه، لكنه تركه لله رضي الله عنه وهذا من ورعه، وفيه أن الإنسان يجوز له أن يعاقب نفسه بحرمانها مما تشتهيه إذا أوجب له ذلك فعل محرم أو ترك واجب، يعني لو صدك شيء عن واجب من مالك فأتلفته لله انتقامًا لنفسك بنفسك كان هذا له أصل من السنة وأصل من هدي الرسل فإن سليمان عليه الصلاة والسلام اشتغل ذات يوم بالخيل والنظر إليها وإجرائها حتى غابت الشمس عن صلاة العصر فقال: (( ردوها علي )) فردوا عليه الخيل فجعل يعقرها ويذبحها، كل هذا انتقامًا لنفسه، انتقامًا من نفسه لنفسه لأجل أن يردعها عن ترك الواجب، فإذا فعل الإنسان ذلك لله عز وجل فلا حرج عليه في هذا، والله أعلم.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.