شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الأمر بأداء الأمانة . قال الله تعالى (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله تعالى باب الأمر بأداء الأمانة، الأمانة تطلق على معان متعددة منها: ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها، فإنها أمانة ائتمن الله عليها العباد، ومنها: الأمانة الأمانة المالية وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها، وكذلك الأموال الأخرى التي تكون بيد الإنسان لمصلحته أو مصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان إما أن تكون لمصلحته أو لمصلحته ومصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان إما أن تكون لمصلحة مالكها أو لمصلحة من هي بيده أو لمصلحتهما جميعًا
فأما الأول فالوديعة الوديعة تجعلها عند شخص تقول مثلًا: هذه ساعتي عندك احفظها لي، هذه دراهم احفظها لي وما أشبه هذا فهذه وديعة المودع فيها بقيت عنده لمصلحة مالكها
وأما التي لمصلحة من هي بيده فالعارية يعطيك شخص شيئًا يعيرك إياه، إناء فراش قلم ساعة سيارة هذه بقيت في يدك لمصلحتك، وأما التي لمصلحة مالكها ومن هي بيده فالمستأجرة العين المستأجرة مصلحتها للجميع، استأجرت مني سيارة وأخذتها فأنت تنتفع بها لنفسك وأنا أنتفع بالأجرة، وكذلك البيت وما أشبهه كل هذه من الأمانات، ومن الأمانات أيضًا أمانة الولاية وهي أعظمها مسؤولية الولاية العامة والولايات الخاصة، فالسلطان مثلًا الرئيس الأعلى في الدولة أمين، أمين على الأمة كلها على مصالحها الدينية ومصالحها الدنيوية على أموالها التي تكون في بيت المال، لا يبذرها ولا ينفقها في غير مصلحة المسلمين وما أشبه ذلك، وهناك أمانات أخرى دونها كأمانة الوزير مثلًا في وزارته، وأمانة الأمير في منطقته، وأمانة القاضي في عمله، وأمانة الإنسان في أهله، المهم أن الأمانة باب واسع جدًّا وأصلها أمران: أمانة في حقوق الله: وهي أمانة العبد في عبادات الله عز وجل، وأمانة في حقوق البشر وهي كثيرة جدًّا كما أشرنا إلى شيء منها، وكلها يؤمر الإنسان بأدائها (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) تأمل هذه الصيغة (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) صيغة قوة سلطان لم يقل: أدوا الأمانة، ولم يقل: إني آمركم (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) أي: بألوهيته العظيمة يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فأقام الضمير فأقام الخطاب مقام الغائب، تعظيمًا لهذا المقام ولهذا الأمر (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) وهذا كقول السلطان ولله المثل الأعلى: إن الأمير يأمركم، إن الملك يأمركم، هذا أبلغ من قوله: إني آمركم كما قال ذلك علماء البلاغة (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) والأمر بأدائها إلى أهلها من لازمه الأمر بحفظها، لأنه لا يمكن أداؤها إلى أهلها إلا بحفظها، وحفظها ألا يتعدى فيها ولا يفرط، بل يحفظها حفظًا تامًّا ليس فيه تعد ولا تفريط حتى يؤديها إلى أهلها، وأداء الأمانة من علامات الإيمان، فكلما وجدت الإنسان أمينًا فيما يؤتمن عليه مؤديًا له على الوجه الأكمل فاعلم أنه قوي الإيمان، وكلما وجدته خائنًا فاعلم أنه ضعيف الإيمان، ومن الأمانات: ما يكون بين الرجل وصاحبه من الأمور الخاصة التي لا يحب أن يطلع عليها أحد، فإنه لا يجوز لصاحبه أن يخبر بها، لو استأمنتك على حديث حدثتك به وقلت: هذا أمانة فإنه لا يحل لك أن تخبر به أحدًا من الناس ولو كان أقرب الناس إليك، وسواء أوصيتك بأن لا تخبر به أحدًا أو علم من قرائن الأحوال أني لا أحب أن يطلع عليه أحد، ولهذا قال العلماء: إذا حدثك الرجل بحديث والتفت فهذه أمانة، لماذا؟ لأن كونه يلتفت يخشى أن يسمع أحد، إذًا فهو لا يحب أن يطلع عليه أحد، فإذا ائتمنك الإنسان على حديث فإنه لا يجوز لك أن تفشيه، ومن ذلك أيضًا: ما يكون بين الرجل وبين زوجته من الأشياء الخاصة، فإن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يتحدث بما جرى بينهما، فلا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته مثلًا، وكثير من الشباب السفهاء تجدهم يتطعمون في المجالس ويتفكهون أن يقول الواحد منهم: فعلت بامرأتي كذا وفعلت بامرأتي كذا من الأمور التي لا يحب تحب هي أن يطلع عليها أحد، وكذلك كل إنسان عاقل له ذوق سليم لا يحب أن يطلع أحد عليه ما جرى بينه وبين زوجته، إذًا علينا أن نحافظ على الأمانات أول شيء أن نحافظ على الأمانات التي بيننا وبين ربنا، لأن حق ربنا أعظم الحقوق علينا، ثم بعد ذلك ما يكون من حقوق الخلق الأولى فالأولى، والله الموفق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف رحمه الله تعالى: "عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه، وفي رواية ( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ".
قال المؤلف رحمه الله تعالى باب الأمر بأداء الأمانة، الأمانة تطلق على معان متعددة منها: ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها، فإنها أمانة ائتمن الله عليها العباد، ومنها: الأمانة الأمانة المالية وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها، وكذلك الأموال الأخرى التي تكون بيد الإنسان لمصلحته أو مصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان إما أن تكون لمصلحته أو لمصلحته ومصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان إما أن تكون لمصلحة مالكها أو لمصلحة من هي بيده أو لمصلحتهما جميعًا
فأما الأول فالوديعة الوديعة تجعلها عند شخص تقول مثلًا: هذه ساعتي عندك احفظها لي، هذه دراهم احفظها لي وما أشبه هذا فهذه وديعة المودع فيها بقيت عنده لمصلحة مالكها
وأما التي لمصلحة من هي بيده فالعارية يعطيك شخص شيئًا يعيرك إياه، إناء فراش قلم ساعة سيارة هذه بقيت في يدك لمصلحتك، وأما التي لمصلحة مالكها ومن هي بيده فالمستأجرة العين المستأجرة مصلحتها للجميع، استأجرت مني سيارة وأخذتها فأنت تنتفع بها لنفسك وأنا أنتفع بالأجرة، وكذلك البيت وما أشبهه كل هذه من الأمانات، ومن الأمانات أيضًا أمانة الولاية وهي أعظمها مسؤولية الولاية العامة والولايات الخاصة، فالسلطان مثلًا الرئيس الأعلى في الدولة أمين، أمين على الأمة كلها على مصالحها الدينية ومصالحها الدنيوية على أموالها التي تكون في بيت المال، لا يبذرها ولا ينفقها في غير مصلحة المسلمين وما أشبه ذلك، وهناك أمانات أخرى دونها كأمانة الوزير مثلًا في وزارته، وأمانة الأمير في منطقته، وأمانة القاضي في عمله، وأمانة الإنسان في أهله، المهم أن الأمانة باب واسع جدًّا وأصلها أمران: أمانة في حقوق الله: وهي أمانة العبد في عبادات الله عز وجل، وأمانة في حقوق البشر وهي كثيرة جدًّا كما أشرنا إلى شيء منها، وكلها يؤمر الإنسان بأدائها (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) تأمل هذه الصيغة (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) صيغة قوة سلطان لم يقل: أدوا الأمانة، ولم يقل: إني آمركم (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) أي: بألوهيته العظيمة يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فأقام الضمير فأقام الخطاب مقام الغائب، تعظيمًا لهذا المقام ولهذا الأمر (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ )) وهذا كقول السلطان ولله المثل الأعلى: إن الأمير يأمركم، إن الملك يأمركم، هذا أبلغ من قوله: إني آمركم كما قال ذلك علماء البلاغة (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )) والأمر بأدائها إلى أهلها من لازمه الأمر بحفظها، لأنه لا يمكن أداؤها إلى أهلها إلا بحفظها، وحفظها ألا يتعدى فيها ولا يفرط، بل يحفظها حفظًا تامًّا ليس فيه تعد ولا تفريط حتى يؤديها إلى أهلها، وأداء الأمانة من علامات الإيمان، فكلما وجدت الإنسان أمينًا فيما يؤتمن عليه مؤديًا له على الوجه الأكمل فاعلم أنه قوي الإيمان، وكلما وجدته خائنًا فاعلم أنه ضعيف الإيمان، ومن الأمانات: ما يكون بين الرجل وصاحبه من الأمور الخاصة التي لا يحب أن يطلع عليها أحد، فإنه لا يجوز لصاحبه أن يخبر بها، لو استأمنتك على حديث حدثتك به وقلت: هذا أمانة فإنه لا يحل لك أن تخبر به أحدًا من الناس ولو كان أقرب الناس إليك، وسواء أوصيتك بأن لا تخبر به أحدًا أو علم من قرائن الأحوال أني لا أحب أن يطلع عليه أحد، ولهذا قال العلماء: إذا حدثك الرجل بحديث والتفت فهذه أمانة، لماذا؟ لأن كونه يلتفت يخشى أن يسمع أحد، إذًا فهو لا يحب أن يطلع عليه أحد، فإذا ائتمنك الإنسان على حديث فإنه لا يجوز لك أن تفشيه، ومن ذلك أيضًا: ما يكون بين الرجل وبين زوجته من الأشياء الخاصة، فإن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يتحدث بما جرى بينهما، فلا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته مثلًا، وكثير من الشباب السفهاء تجدهم يتطعمون في المجالس ويتفكهون أن يقول الواحد منهم: فعلت بامرأتي كذا وفعلت بامرأتي كذا من الأمور التي لا يحب تحب هي أن يطلع عليها أحد، وكذلك كل إنسان عاقل له ذوق سليم لا يحب أن يطلع أحد عليه ما جرى بينه وبين زوجته، إذًا علينا أن نحافظ على الأمانات أول شيء أن نحافظ على الأمانات التي بيننا وبين ربنا، لأن حق ربنا أعظم الحقوق علينا، ثم بعد ذلك ما يكون من حقوق الخلق الأولى فالأولى، والله الموفق.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
نقل المؤلف رحمه الله تعالى: "عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه، وفي رواية ( وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ".