شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم قال الله تعالى (( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) وقال تعالى (( وما للظالمين من نصير )) وأما الأحاديث فمنها حديث أبي ذر رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: " باب تحريم الظلم ووجوب رد المظالم " يعني إلى أهلها، هذا الباب يشتمل على أمرين، الأمر الأول: تحريم الظلم، والثاني: وجوب رد المظالم، واعلم أن الظلم هو النقص، قال الله تعالى: (( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً )) يعني لم تنقص منه شيئًا، والنقص إما أن يكون بالتجرؤ على ما لا يجوز للإنسان، وإما بالتفريط فيما يجب عليه، وحينئذ يدور الظلم على هذين الأمرين، إما ترك واجب وإما فعل محرم، والظلم نوعان: ظلم يتعلق بحق الله عز وجل، وظلم يتعلق بحق العباد، فأعظم الظلم المتعلق بحق الله هو الإشراك به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ( أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك ) ويليه الظلم في الكبائر ثم الظلم في الصغائر، أما في حقوق الله فالظلم يدور على ثلاثة أشياء بينها صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع فقال: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) يدور على الظلم في النفس، وهو الظلم في الدماء بأن يعتدي الإنسان على حق غيره، بأن يعتدي الإنسان على غيره بسفك الدماء أو الجروح أو ما أشبه ذلك، الأموال بأن يعتدي الإنسان ويظلم غيره في الأموال إما بعدم بذل الواجب وإما بإتيان المحرم، إما أن يمتنع من واجب عليه وإما أن يفعل شيئًا محرمًا في مال غيره، وأما الأعراض فيشمل الاعتداء على الغير بالزنا واللواط والقذف وما أشبه ذلك، وكل الظلم بأنواعه محرم، ولن يجد الظالم من ينصره، قال الله تعالى: (( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ )) يعني: أنه يوم القيامة لا يجد الظالم حميمًا أي صديقًا ينجيه من عذاب الله، ولا يجد شفيعًا يشفع له فيطاع، لأنه منبوذ لظلمه وغشمه وعدوانه، فالظالم لن يجد من ينصره يوم القيامة، وقال تعالى: (( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ )) يعني لا يجدون أنصارًا ينصرونهم من عذاب الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم، ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الظلم ) اتقوه يعني احذروه، والظلم هو كما مر عليكم الآن يكون في حق الله وفي حق العباد ( اتقوا الظلم ) أي: لا تظلموا أحدًا، لا تظلموا أحدًا لا أنفسكم ولا غيركم ( فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) ويوم القيامة ليس فيه نور إلا من أنار الله تعالى له، وأما من لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، والإنسان وإن كان مسلمًا له نور بقدر إسلامه، لكنه إذا كان ظالمًا فقد من هذا النور بمقدار ما حصل من الظلم، لقوله: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) ومن الظلم مطل الغني يعني أن لا يوفي ما عليه وهو غني به، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلم ) وما أكثر الذين يماطلون بحقوق الناس، تجده يكون مطلوبًا فيأتيه الطالب صاحب الحق يا فلان أعطني حقي، فيقول: غدًا، فيأتيه من الغد فيقول: بعد غد وهكذا، فإن هذا ظلم يكون يوم القيامة ظلمات على صاحبه ( واتقوا الشح ) الشح الحرص على المال ( فإنه أهلك من كان قبلهم ) لأن الحرص على المال نسأل الله السلامة يوجب للإنسان أن يكسب المال من أي وجه كان من حلال أو حرام، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( حملهم ) أي: حمل من كان قبلنا على سفك دمائهم وعلى استحلال أموالهم، سفك الدماء إذا لم يتوصل إلى طمعه إلا بالدماء لا يهمه يسفك الدماء كما هو الواقع في أهل الشح يقطعون الطريق على المسلمين، يقتلون الرجل ويأخذون متاعه ويأخذون بعيره، وكذلك أيضًا يعتدون على الناس في البلاد في داخل البلاد يقتلونهم ويهتكون حجب بيوتهم فيأخذون المال، فحذر النبي عليه الصلاة والسلام من أمرين من الظلم ومن الشح، فالظلم هو الاعتداء على الغير، والشح الطمع فيما عند الغير، فكل ذلك محرم ولهذا قال الله تعالى في كتابه: (( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) فدلت الآية على أن من لم يوق شح نفسه فلا فلاح له، المفلح من وقاه الله شح نفسه، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الظلم وأن يقينا شح أنفسنا وشرورها.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.