شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة ... قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال ألا هل بلغت ألا هل بلغت ؟ قلنا نعم قال اللهم اشهد ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : في حديث ابن عمر رضي الله عنهما حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدجال وعظم من شأنه ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) الدماء تشمل النفوس وما دونها، والأموال تشمل القليل والكثير، والأعراض تشمل الزنا واللواط والقذف، وربما تشمل الغيبة والسب والشتم، هذه الأشياء الثلاثة حرام على المسلم أن ينتهكها من أخيه المسلم ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) وفي بعض الأحاديث: ( كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) وهو كان في مكة عليه الصلاة والسلام والشهر شهر ذي الحجة أحد الأشهر الأربعة الحرم، ثم قال: ( ألا هل بلغت؟ ) يسألهم هل بلغ؟ قالوا: ( نعم بلغت، قال: اللهم اشهد ) فاستقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة هل بلغ أم لا؟ فأخبروه بأنه بلغ، فأشهد الله عليهم، والصحابة رضي الله عنهم بلغوا ما سمعوه من الرسول عليه الصلاة والسلام بلغوا جميع سنته ما كتموا منها شيئا وبلغوا ما جاء به من الوحي لم يكتموا منه شيئًا، فجاءت الشريعة ولله الحمد كاملة من كل وجه، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ثم بلغ الصحابة عن نبيهم ثم التابعون عمن قبلهم وهكذا إلى يومنا هذا ولله الحمد، وفي قوله: ( اللهم اشهد ) يعني على إقرار هؤلاء الذين حضروا وإقرارهم إقرار لنا، فنحن نشهد بالله أن الرسول بلغ، بلغ البلاغ المبين أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، وأنه أنصح الخلق للخلق وأنه ما ترك خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا شرًا إلا بينه لهم وحذرهم منه، وتركهم أي ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ثم حذرهم النبي عليه الصلاة والسلام من أمر، أمر عظيم وقعت فيه الأمة منذ بدأت فيها الفتنة، قال: ( ألا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ) ( كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) لأن عملهم هذا من عمل الكفر، لا أحد يشهر السيف على مسلم إلا الكافر، فالمسلم إذا أشهر السيف على أخيه فقد أتى خصلة من خصال الكفر والعياذ بالله، لأننا لا نعرف أحدًا يستبيح دم المسلم ولو بالفعل إلا وهو كافر، ولهذا قال: ( لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ) وهذا الضرب إن كان استحلالًا لدم المسلم بلا تأويل فهو كفر، كفر مخرج عن الملة وإن كان بتأويل فليس بكفر لكنه من عمل أهل الكفر، من عمل أهل الكفر والعياذ بالله، وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام أمته هذا التحذير، ولكن مع الأسف أنه وقع بينهم السيف وصارت الفتن من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى يومنا هذا، وما زالت الفتن قائمة بين الناس لكن أحيانًا تشتعل اشتعالًا واسعًا وأحيانًا تكون في مناطق معينة، ولكن الواجب على المسلم أن يتقي دم أخيه ما استطاع، نعم إذا بلي الإنسان بنفسه وصيل عليه يريد الصائل نفسه أو ماله أو حرمته فله أن يدافع عن نفسه، ولكن بالأسهل فالأسهل فإن لم يندفع الصائل إلا بالقتل قتله، فإن قتله فالصائل في النار، وإن قتل المدافع فهو شهيد، شهيد كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث تحذير من أعراض المسلمين وأنه لا يجوز للمسلم أن ينتهك عرض أخيه، لا صادقًا ولا كاذبًا، لأنه إن كان صادقًا فقد اغتابه وإن كان كاذبًا فقد بهته، وأنت إذا رأيت من أخيك شيئًا تنتقده فيه في عباداته أو في أخلاقه أو في معاملاته فعليك بنصيحته، هذا واجبه عليك تنصحه فيما بينك وبينه مشافهة أو مكاتبة وبهذا تبرأ ذمتك، لكن هنا شيء لا بد منه أنك إذا أردت أن تناصحه بالمكاتبة فلا بد أن تذكر اسمك، اذكر اسمك لا تكن جبانًا تخاف اذكر من فلان إلى فلان إلى أخي فلان بن فلان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فأنا أنتقد عليك كذا وكذا وكذا، من أجل إذا عرف اسمك دعاك أو أتى إليك وناقشك في الأمر، أما أن تكون جبانًا ترمي من وراء جدار فهذا لا يليق بالمسلم وليس هذا بنصح، لأنك ستبقى حاملًا عليه في قلبك لما ترى أنه أخطأ فيه وهو سيبقى ويستمر على ما هو فيه، لأن الذي كتب له بالنصيحة ليس أمامه حتى يقول له: تفضل أنا أشرح لك وجهة نظري وأنت اشرح لي وجهة نظرك، فيبقى الشر على ما هو عليه والخطأ على ما هو عليه، لكن إذا كتب اسمه كان مشكورًا على هذا وكان بإمكان المكتوب إليه المنصوح أن يخاطب وأن يبين له ما عنده، حتى يقتنع أحد الرجلين بما عند الآخر، والله الموفق.
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القارئ : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.