قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم متفق عليه . وعنها رضي الله عنها قالت نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا: إنك تواصل قال: ( إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها في : باب الرفق بالمسلمين والشفقة عليهم ، قالت عائشة رضي الله عنها : ( إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يفعله ، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ) : إن كان هذه إن مخففة من الثقيلة ، وأصلها إنّ، ويقول النحويون : إن اسمها محذوف ويسمونه ضمير الشأن ، وجملة : كان ليدع : خبرها ، فالجملة هنا ثبوتية وليست سلبية ، المعنى : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله ، لئلا يعمل به الناس فيفرض عليهم ، فيشق عليهم.
ومن ذلك ما فعله في رمضان عليه الصلاة والسلام : ( صلى في رمضان ذات ليلة ، فعلم به أُناسٌ من الصحابة ، فاجتمعوا إليه وصلوا معه ، وفي الليلة الثانية صلوا أكثر ، وفي الثالثة أكثر وأكثر ، ثم تركه ، ترك الصلاة في المسجد ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني قد علمت يعني ما جرى منهم من الاجتماع ، ولكني كرهت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ) : فترك ههنا القيام جماعة خوفاً من أن تفرض على الأمة وهذا من شفقته ، وكان يقول : لولا أن أشق على أمتي لفعلت كذا وكذا، أو لأمرت بكذا وكذا ، مثل قوله : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرته بالسواك عند كل صلاة ) ، ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين تأخر في صلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل ، فقال : ( إنه لوقتها -يعني آخر الوقت- لولا أن أشق على أمتي ) ، فهو عليه الصلاة والسلام يدع العمل ويدع الأمر بالعمل ، خوفاً من أن يشق على الأمة .
ومن ذلك أيضاً ما روته عائشة رضي الله عنها : ( أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم ) : يعني نهى الصحابة عن الوصال ، والوصال : أن يصل الإنسان يومين فأكثر في الصيام مِن غير فطر ، يعني يصوم الليل والنهار ، يومين أو ثلاثة أو أكثر ، فنهاهم النبي صلى الله عليه آله وسلم عن ذلك ، ولكنهم رضي الله عنهم فهموا أنه نهاهم رحمة بهم لا كراهة للعمل ، فواصلوا ثم واصلوا حتى هلّ شهر شوال ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لو تأخر الهلال لزدتكم ) : يعني لأبقيتكم تواصلون ، قال ذلك تنكيلاً لهم ، حتى يعرفوا ألم الجوع والعطش ، ويكفوا عن الوصال مِن أنفسهم.
المهم أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم ، ( فقالوا: إنك تواصل ونحن نقتدي بك ، فقال : إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين ) : يعني أنه عليه الصلاة والسلام ليس كالأمة ، يبيت عند الله يطعمه ويسقيه ، ومعنى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام يتهجد بالليل ، ويخلو بالله عزّ وجلّ بذكره ، وقراءة كلامه ، وغير ذلك مما يغنيه عن الأكل والشرب .
لأن الإنسان إذا اشتغل بالشيء نسي الأكل والشرب ، خصوصاً إذا كان الشيء مما يحبه ويرضاه ، ولهذا قال الشاعر في محبوبته : قال :
" لها أحاديث مِن ذِكراكَ تُشغِلُها *** عنِ الشرابِ وتُلهيها عن الزاد " :
يعني أنها إذا جعلت تتحدث بهذا الرجل ألهاها عن الطعام والشراب ، وهو أمر واضح واقع ، حتى إن الإنسان أحياناً يكون في الأشغال يشتغل بها ، فيلهو عن الأكل والشرب ، مثل طالب العلم الذي يكون منهوماً بالعلم شغوفاً به ، ربما يبقى في مكتبته يطالع وينسى الأكل والشرب ، الغداء والعشاء ، وربما ينسى النوم ، وكذلك طالب الدنيا منهوم لا يشبع ، ربما يبقى في دفاتره وحساباته ينشغل عن الأكل والشرب .
ويُذكر أن رجلاً غنياً كان يشتغل بحساباته وكتاباته وماله وله زوجة ، وله جار فقير متزوج ، وكانوا يحسون بأن هذا الجار الفقير يعاشر زوجته بالمعروف ، فغارت زوجة الغني ، لأن الغني غافل عنها ، فقالت له : ألا تنظر إلى جارنا يعاشر زوجته بالمعروف ، يستأنس مع أهله ، ففطن الرجل الغني لهذا ، فدعا بجاره الفقير وقال له : إنك رجلٌ فقيرٌ يعني تحتاج على المال ، وأنا سأعطيك مالاً بضاعة تتجر به ، فأعطاه المال يتجر به ، أعطى الفقير هذا المال يتجر به ، فانشغل به الفقير عن أهله ، وصار لا يعاشرهم صار مثل التاجر .
فالإنسان إذا اشتغل بالشيء المحبوب إليه أنساه كلّ شيء ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إني أبيتُ عند ربي يطعمني ويسقيني ، فلست كهيئتكم ) ، وما زعمه بعض أهل العلم من أن المراد بالإطعام والإسقاء، الإطعام من الجنة والإسقاء من الجنة ، فليس بصحيح ، لأنه لو طعم طعاماً حسياً وشرب شراباً حسياً لم يكن مواصلاً ، وإنما المراد بالطعام والسقي ما يشتغلُ به صلى الله عليه وآله وسلم من ذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه .
والحاصل : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يواصل وينهى أمته عن الوصال رحمة بهم ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عائشة رضي الله عنها في : باب الرفق بالمسلمين والشفقة عليهم ، قالت عائشة رضي الله عنها : ( إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يفعله ، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ) : إن كان هذه إن مخففة من الثقيلة ، وأصلها إنّ، ويقول النحويون : إن اسمها محذوف ويسمونه ضمير الشأن ، وجملة : كان ليدع : خبرها ، فالجملة هنا ثبوتية وليست سلبية ، المعنى : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله ، لئلا يعمل به الناس فيفرض عليهم ، فيشق عليهم.
ومن ذلك ما فعله في رمضان عليه الصلاة والسلام : ( صلى في رمضان ذات ليلة ، فعلم به أُناسٌ من الصحابة ، فاجتمعوا إليه وصلوا معه ، وفي الليلة الثانية صلوا أكثر ، وفي الثالثة أكثر وأكثر ، ثم تركه ، ترك الصلاة في المسجد ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني قد علمت يعني ما جرى منهم من الاجتماع ، ولكني كرهت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ) : فترك ههنا القيام جماعة خوفاً من أن تفرض على الأمة وهذا من شفقته ، وكان يقول : لولا أن أشق على أمتي لفعلت كذا وكذا، أو لأمرت بكذا وكذا ، مثل قوله : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرته بالسواك عند كل صلاة ) ، ومثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين تأخر في صلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل ، فقال : ( إنه لوقتها -يعني آخر الوقت- لولا أن أشق على أمتي ) ، فهو عليه الصلاة والسلام يدع العمل ويدع الأمر بالعمل ، خوفاً من أن يشق على الأمة .
ومن ذلك أيضاً ما روته عائشة رضي الله عنها : ( أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم ) : يعني نهى الصحابة عن الوصال ، والوصال : أن يصل الإنسان يومين فأكثر في الصيام مِن غير فطر ، يعني يصوم الليل والنهار ، يومين أو ثلاثة أو أكثر ، فنهاهم النبي صلى الله عليه آله وسلم عن ذلك ، ولكنهم رضي الله عنهم فهموا أنه نهاهم رحمة بهم لا كراهة للعمل ، فواصلوا ثم واصلوا حتى هلّ شهر شوال ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لو تأخر الهلال لزدتكم ) : يعني لأبقيتكم تواصلون ، قال ذلك تنكيلاً لهم ، حتى يعرفوا ألم الجوع والعطش ، ويكفوا عن الوصال مِن أنفسهم.
المهم أنه نهاهم عن الوصال رحمة بهم ، ( فقالوا: إنك تواصل ونحن نقتدي بك ، فقال : إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين ) : يعني أنه عليه الصلاة والسلام ليس كالأمة ، يبيت عند الله يطعمه ويسقيه ، ومعنى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام يتهجد بالليل ، ويخلو بالله عزّ وجلّ بذكره ، وقراءة كلامه ، وغير ذلك مما يغنيه عن الأكل والشرب .
لأن الإنسان إذا اشتغل بالشيء نسي الأكل والشرب ، خصوصاً إذا كان الشيء مما يحبه ويرضاه ، ولهذا قال الشاعر في محبوبته : قال :
" لها أحاديث مِن ذِكراكَ تُشغِلُها *** عنِ الشرابِ وتُلهيها عن الزاد " :
يعني أنها إذا جعلت تتحدث بهذا الرجل ألهاها عن الطعام والشراب ، وهو أمر واضح واقع ، حتى إن الإنسان أحياناً يكون في الأشغال يشتغل بها ، فيلهو عن الأكل والشرب ، مثل طالب العلم الذي يكون منهوماً بالعلم شغوفاً به ، ربما يبقى في مكتبته يطالع وينسى الأكل والشرب ، الغداء والعشاء ، وربما ينسى النوم ، وكذلك طالب الدنيا منهوم لا يشبع ، ربما يبقى في دفاتره وحساباته ينشغل عن الأكل والشرب .
ويُذكر أن رجلاً غنياً كان يشتغل بحساباته وكتاباته وماله وله زوجة ، وله جار فقير متزوج ، وكانوا يحسون بأن هذا الجار الفقير يعاشر زوجته بالمعروف ، فغارت زوجة الغني ، لأن الغني غافل عنها ، فقالت له : ألا تنظر إلى جارنا يعاشر زوجته بالمعروف ، يستأنس مع أهله ، ففطن الرجل الغني لهذا ، فدعا بجاره الفقير وقال له : إنك رجلٌ فقيرٌ يعني تحتاج على المال ، وأنا سأعطيك مالاً بضاعة تتجر به ، فأعطاه المال يتجر به ، أعطى الفقير هذا المال يتجر به ، فانشغل به الفقير عن أهله ، وصار لا يعاشرهم صار مثل التاجر .
فالإنسان إذا اشتغل بالشيء المحبوب إليه أنساه كلّ شيء ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إني أبيتُ عند ربي يطعمني ويسقيني ، فلست كهيئتكم ) ، وما زعمه بعض أهل العلم من أن المراد بالإطعام والإسقاء، الإطعام من الجنة والإسقاء من الجنة ، فليس بصحيح ، لأنه لو طعم طعاماً حسياً وشرب شراباً حسياً لم يكن مواصلاً ، وإنما المراد بالطعام والسقي ما يشتغلُ به صلى الله عليه وآله وسلم من ذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه .
والحاصل : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يواصل وينهى أمته عن الوصال رحمة بهم ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .