شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم ) : المسلم أخو المسلم يعني في الدين ، كما قال الله تبارك وتعالى: (( فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً )) ، وقال الله تعالى : (( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ )) ، وهذه الأخوة هي أوثق الأخوات ، أوثق من أخوة النسب ، فإن أخوة النسب قد تتخلف أو قد يتخلف مقتضاها ، ويكون أخوك من النسب عدواً لك كارهاً لك ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، قال الله تعالى : (( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ )) .
أما أخوة الدين فإنها أخوة ثابتة راسخة في الدنيا وفي الآخرة ، تنفع الإنسان في حياته وفي مماته ، لكن هذه الأخوة لا يترتب عليها ما يترتب على أخوة النسب من التوارث ووجوب النفقة وما أشبه ذلك .
ثم قال : ( لا يظلمه ولا يُسلمه ) لا يظلمه لا في ماله ، ولا في بدنه ، ولا في عرضه، ولا في أهله، يعني لا يظلمه بأي نوع من الظلم .
( ولا يسلمه ) يعني : لا يسلمه لمن يظلمه ، فهو يدافع عنه ويحميه من شرهم ، فهو جامع بين أمرين :
الأمر الأول : أنه لا يظلمه.
والأمر الثاني : أنه لا يسلمه لمن يظلمه بل يدافع عنه.
ولهذا قال العلماء رحمهم الله : " يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله " ، في عرضه: يعني إذا سمع أحداً يسبه ويغتابه، يجب عليه أن يدافع عنه ، وكذلك أيضاً في بدنه : لو أراد أحد أن يعتدي على أخيك المسلم وأنت قادر على دفعه وجب عليك ، وكذلك في ماله : لو أراد أحد أن يأخذ ماله ، فإنه يجب عليك أن تدافع عنه ، ( ولا يسلمه ) .
ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه ) يعني : أنك إذا كنت في حاجة أخيك تقضيها وتساعده عليها ، فإن الله تعالى يساعدك في حاجتك ، ويعينك عليها جزاءً وفاقاً .
ويُفهم منه أن الإنسان إذا ظلم أخاه فإن أخوته ناقصة ، وإذا أسلمه إلى من يظلمه فإن أخوته ناقصة ، وإذا لم يكن في حاجته ، فإنه يفوته هذا الخير العظيم ، وهو أن الله إذا كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .
ثم قال: ( ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ) ، الكُرب : ما يضيق على الإنسان ويشق عليه ، ويجد في نفسه هماً وغماً ، فإذا فرجت عن أخيك هذه الكربة، فرج الله عنك كربةً من كرب يوم القيامة.
وتفريج الكربات إن كانت كربة مالية، فبإعطائه المال الذي تزول به الكربة ، إن كانت كربة معنوية فبالحرص على رد معنويته ورد اعتباره حتى تزول عنه الكربة .
إذا كانت الكربة كربة هم وغم ، فبأن توسع عليه وتنفس له ، وتبين له أن الأمور لا تدوم ، وأن دوام الحال من المحال ، وتبين له ما في هذا من الأجر والثواب العظيم ، حتى تهون عليه الكربة .
( ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ) : من ستر يعني : غطى عيبه ولم يبينه ، فإن الله يستره في الدنيا والآخرة ، وهذا ليس على إطلاقه ، بل فهناك نصوص تدل على أنه غير مطلق ، فالستر قد يكون مأموراً به محموداً ، وقد يكون حراماً ، فإذا رأينا شخصاً على معصية ، وهو رجلٌ شرير منهمك في المعاصي ، لا يزيده الستر إلا طغياناً ، فإننا لا نستره ، بل نبلغ عنه حتى يُردع ردعاً يحصل به المقصود .
أما إذا كان رجلاً لم يبدر مه بوادر سيئة ، ولكن حصلت منه هفوة ، فإن مِن المستحب أن تستره ولا تبينه لأحد ، لا للجهات المسؤولة ولا لغيرها ، فإذا سترته ستر الله عليك في الدنيا والآخرة .
ومن ذلك أيضاً أن تستر عنه العيب الخِلقي ، إذا كان فيه عيب في خِلقته كجروح مؤثرة في جلده ، أو برص أو بهق أو ما أشبه ذلك ، وهو يتستر ولا يُحب أن يطلع عليه الناس فإنك تستره ، إذا سترته سترك الله عليك في الدنيا والآخرة .
وكذلك إذا كان سيّئ الخلق لكنه يتظاهر للناس بأنه حسن الخُلق وواسع الصدر ، وأنت تعرف منه خلافَ ذلك ، فاستره ، فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ، فالستر كما قلت بالنسبة للأعمال التي يقوم بها الإنسان الأعمال السيئة ينقسم إلى قسمين:
قسم يكون من شخص منهمك في المعاصي مستهتر ، فهذا لا يُستر عليه .
وقسم آخر حصلت منه هفوة ، فهذا هو الذي يُستر عليه ، أما الأمور الأخرى فالستر فيها أكمل وأفضل ، والله المستعان.