شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ... ) رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق الكلام على الجملة الأولى من هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تحاسدوا ) ، وبينا معنى الحسد ، وحكم الحسد ، وأنه حرام ، بل هو من كبائر الذنوب ، وبينا مفاسده وهي عشر مفاسد .
أما قوله : ( ولا تناجشوا ) أي : لا ينجش بعضكم على بعض ، والنجش : " هو أن يزيد في السلعة على أخيه وهو لا يريد شراءها " ، يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها ، وإنما يريد أن يضرّ المشتري ، أو ينفع البائع ، أو الأمرين جميعاً، يريد إضرار المشتري ونفع البائع ، مثال ذلك : عرضت سلعة في السوق فصار الناس يتزايدون فيها ، فقام رجل فجعل يزيد فيها وهو لا يريد الشراء ، تسام بمائة ، فقال : بمائة وعشرة وهو لا يريد أن يشترها ، لكن يريد أن يزيد الثمن على المشتري ، أو يريد أن ينفع البائع فيزيد الثمن له أو الأمرين جميعاً ، فهذا حرامٌ ، ولا يجوز لما فيه من العدوان.
أما إذا زاد الإنسان في الثمن عن رغبة في السلعة ، ولكن لما ارتفعت قيمتها تركها فهذا لا بأس به ، فإن كثيرا من الناس يزيد في السلعة لأنه يرى أنها رخيصة ، فإذا زادت قيمتها تركها ، فهذا ليس عليه بأس .
كما أن من الناس من يزيد في السلعة يريدها هي ، ويزيد حتى تخرج عن قيمتها كثيراً .
فالناس زيادتهم في السلعة على ثلاث أقسام :
القسم الأول : نجش ، وهو حرام.
الثاني : أن يزيد فيها لأنه يرى أنها رخيصة ، وأنها ستكسبه ، وليس له قصد بعين السلعة لا يريدها ، لكن رأى أنها رخيصة وأنها ستكسبه فجعل يزيد ، فلما ارتفعت قيمتها تركها ، هذا أيضاً لا بأس به .
الثالث : أن يكون له غرض في السلعة، يريد أن يشتري مثلاً هذه السلعة، فيزيد حتى يطيب خاطره، هذا أيضاً لا بأس به.
والثالث : ( ولا تباغضوا ) أي : لا يبغض بعضكم بعضاً ، وهذا بالنسبة للمؤمنين بعضهم مع بعض ، فلا يجوز للإنسان أن يُبغض أخاه أي : يكرهه في قلبه ، لأنه أخوه ، ولكن لو كان هذا الأخ من العصاة الفسقة ، فإنه لا يجوز لك أن تبغضه من أجل فسقه ، أن تبغضه بغضاً مطلقاً ، لكن أبغضه على ما فيه من معصية ، وأحبَّه على ما فيه من الإيمان.
ومن المعلوم أننا لو وجدنا رجلاً مسلماً يشرب الخمر، ويشرب الدخان، ويجر ثوبه خيلاء، فإننا لا نبغضه كما نبغض الكافر، فمن أبغضه كما يبغض الكافر فقد انقلب على وجهه، كيف تسوي بين مؤمن عاصٍ فاسق، وبين كافر؟ هذا خطأ عظيم .
ربما بعض الناس يكره المؤمن الذي عنده هذا الفسق أكثر مما يكره الكافر، وهذا والعياذ بالله من انقلاب الفطرة ، المؤمن مهما كان خيرٌ من الكافر .