شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب قضاء حوائج المسلمين . قال الله تعالى (( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون )) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) متفق عليه وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب قضاء حوائج المسلمين " :
الحوائج : ما يحتاجه الإنسان ليكمل به أموره، وأما الضروريات : فهي ما يضطر إليه الإنسان ليدفع به ضرر، ودفع الضرورات واجب، فإنه يجب على الإنسان إذا رأى أخاه في ضرورة أن يدفع ضرورته، إذا رآه في ضرورة إلى الطعام أو إلى الشراب، أو إلى التدفئة أو إلى التبردة، وجب عليه أن يقضي حاجته، وجب عليه أن يزيل ضرورته ويرفع ضرورته، حتى إنَّ أهل العلم يقولون : " لو اضطر الإنسان إلى طعام في يد شخص أو إلى شرابه، والشخص الذي بيده الطعام أو الشراب لم يُضطر إليه ومنعه بعد طلبه، ومات، فإنه يضمنه، لأنه فرط في إنقاذ أخيه من هلكة " .
أما إذا كان الأمر حاجيّاً وليس ضرورياً، فإن الأفضل أن تُعين أخاك على حاجته، وأن تُيسرها له ما لم تكن الحاجة في مضرته، فإن كانت الحاجة في مضرته فلا تعنه، لأن الله يقول، (( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ،
فلو فُرِض أن شخصاً احتاج إلى شرب دخان، تتن ، وطلب منك أن تعينه بدفع القيمة له أو شرائه له أو ما أشبه ذلك ، فإنه لا يحل لك أن تعينه ، ولو كان محتاجاً، حتى لو رأيته دائخاً يريد أن يشرب الدخان فلا تعنه، لقول الله تعالى: (( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ، حتى لو كان أباك فإنك لا تعنه على هذا، حتى لو غضب عليك إذا لم تأت به فليغضب، لأنه غضب في غير موضع الغضب، بل إنك إذا امتنعت مِن أن تأتي لأبيك بما يضره فإنك تكون بارّاً به، ولا تكون عاقاً له، لأن هذا هو الإحسان ، أعظم الإحسان أن تمنع أباك مما يضره، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا : يا رسول الله : كيف نصر الظالم ؟ قال: تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه ) ، وعلى هذا فقول المؤلف : " باب قضاء حوائج المسلمين " : يعني الحوائج المباحة، فإنه ينبغي لك أن تعين أخاك عليها، فإن الله في عونك ما كنت في عون أخيك.
ثم ذكر المؤلف أحاديث مرَّ علينا الكلام عليها ، بل مر علينا الكلام فيها فلا حاجة إلى إعادتها، إلا أن فيها بعضَ الجمل تحتاج إلى كلام منها قوله : ( مَن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ) : إذا رأيت معسراً، ويسرت عليه الأمر، يسر الله عليك في الدنيا والآخرة، مثل أن ترى شخصاً ليس بيده ما يشتري لأهله مِن طعام وشراب، لكن ليس في ضرورة، فأنت إذا يَسرت عليه، يسر الله عليك في الدنيا والآخرة.
ومن ذلك أيضاً إذا كنت تطلب شخصاً مُعسراً فإنه يجب عليك أن تيسر عليه وجوباً، لقوله تعالى: (( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )) ، وقد قال العلماء رحمهم الله : " مَن كان له غريم معسر فإنه يحرم عليه أن يطلب منه الدين، أو أن يطالبه به، أو أن يرفع أمره إلى الحاكم، بل يجب عليه الإنظار " ، ويوجد بعض الناس والعياذ بالله ممن لا يخافون الله، ولا يرحمون عباد الله، من يطالبون المعسرين، ويضيقون عليهم، ويرفعونهم إلى الجهة المسؤولة ، ويُحبسون ويُؤذون ويمنعون من أهلهم ومن ديارهم، كل هذا بسبب الظلم، وإن كان الواجب على القاضي إذا ثبت عنده إعسار الشخص، فالواجب عليه أن يرفع الظلم عنه، وأن يقول لغرمائه: ليس لكم شيء.
ثم إن بعض الناس والعياذ بالله إذا كان له غريم مُعسر يتحيل نسأل الله العافية يَتحيل عليه بأن يدينه مرة أخرى بِربا، فيقول : اشتر مني السلعة الفلانية بزيادة على ثمنها وأوفني ، أو يتفق مع شخص ثالث يقول : اذهب تديّن من فلان وأوفني ، وهكذا حتى يصبح بين يدي هذين الظالمين كالكرة بين يدي الصبي يلعب بها والعياذ بالله .
فالمهم أني أطلب منكم إذا رأيتم شخصاً يطلب معسراً أن تبينوا له أنه آثم، وأن ذلك حرام عليه، وأنه يجب عليه إنظاره، لقول الله تعالى (( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )) ، وأنه إذا ضيق على أخيه المسلم، فإنه يوشك أن يضيق الله عليه في الدنيا أو في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة، ويوشك أن يعجل له بالعقوبة، ومن العقوبة أن يستمر في مطالبة هذا المعسر وهو معسر ، لأنه كلما طالبه ازداد إثماً، كلما طالبه ازداد إثماً ، كلما طالبه ازداد إثماً .
وعلى العكس مِن ذلك : فإنه يوجد بعض الناس والعياذ بالله يماطلون بالحقوق التي عليهم، مع قدرتهم على وفائها، فتجده يأتيه صاحب الحق فيقول : غداً، وإذا أتاه في غدٍ قال : بعد غدٍ وهكذا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مَطْل الغنيِّ ظلم ) ، وإذا كان ظلماً فإن أي ساعة أو لحظة تمضي لا يزداد بها إلا إثماً ، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية .