شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ...باب الشفاعة . قال الله تعالى (( من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها )) . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال ( اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب ) متفق عليه وفي رواية ( ما شاء ) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الشفاعة " :
الشفاعة : " هي التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة " .
مثال الأول : أن تتوسط لشخص عند آخر بأن يساعده في أمر من الأمور .
ومثال الثاني : أن تشفع لشخص عند آخر بأن يسامحه ويعفو عن مظلمته، حتى يندفع عنه الضرر .
ومثال ذلك في أيام الآخرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الموقف ليُقضى بينهم، حين يصيبهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فهذه شفاعة في دفع مضرة .
ومثالها في جلب منفعة : ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ) .
والمراد بالشفاعة في كلام المؤلف : الشفاعة في الدنيا، أن يشفع الإنسان لشخص عند آخر، يتوسط له لجلب المنفعة له أو دفع المضرة عنه .
والشفاعة أقسام :
القسم الأول : شفاعة محرمة لا تجوز، وهي أن يشفع لشخص وجب عليه الحدّ بعد أن يصل إلى الإمام ، فإن هذه الشفاعة محرمة لا تجوز ، يعني رجل وجب عليه حدّ كقطع سرقة مثلاً ، كقطع يده في السرقة، فلما وصلت إلى الإمام أو نائب الإمام أراد إنسان أن يشفع لهذا السارق ألا تقطع يده، فهذا حرام ، أنكره النبي عليه الصلاة والسلام إنكاراً عظيماً، وذلك حينما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تقطع يد المرأة المخزومية، امرأة من بني مخزوم من أشراف قبائل العرب، كانت تستعير الشيء ثم تجحده، تستعيره لتنتفع به ثم إذا جاء صاحبه يقول : أعطيني ما استعرت مني ، قالت : ما أعرتني شيء ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ، فاهتمت لذلك قريش ، قالوا : امرأة من بني مخزوم تقطع يدها ؟ هذا عار كبير، مَن يشفع لنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فرأوا أن أقربَ الناس لذلك أسامة بن زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد ابن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن زيد بن حارثة عبدٌ أهدته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة، ثم أعتقه وكان يحبه عليه الصلاة والسلام، ويحب ابنه أسامة، فذهب أسامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهذه المرأة ألا تقطع يدها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أَتشفعُ في حدٍّ من حدود الله؟ ) قال ذلك إنكاراً عليه ، ( أشفع في حد من حدود الله ) ، ثم قام فخطب الناس وقال : ( أيها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله -يعني أقسم بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها ) : يعني ما هي بهذه المرأة، المرأة المخزومية دون فاطمة شرفاً ونسباً، فقال : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) ،
وقال عليه الصلاة والسلام : ( مَن حالت شفاعته دون حدٍ من حدود الله فقد ضادِّ الله في أمره ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع له ) .
( ولما سُرق رداء صفوان بن أمية وكان قد توسده في المسجد، فجاء رجل فسرقه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يد السارق ) ، انظر ماذا سرق ؟ سرق رداءً ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده ، ( فقال: يا رسول الله أنا لا أريد ردائي، يعني أنه رحم هذا السارق ، وقال لا تقطعونه ردائي له ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هلاّ كان ذلك قبل أن تأتيني به ) .
يعني لو سمحت عنه قبل أن تأتيني به ما قلنا لك تعالى، لكن إذا بلغت الحدود السلطان فلابد من تنفيذها، وتحرم فيها الشفاعة .
الثاني : أن يشفع في شيء محرم ، مثل أن يشفع لإنسان معتدٍ على أخيه، يعني : أَعرف مثلاً أن هذا الرجل يريد أن يخطب امرأة مخطوبة مِن قبل، والمرأة المخطوبة لا يحل لأحد خطبتها ، فذهب رجل ثاني إلى شخص وقال : يا فلان أُحِب أن تشفع لي عند والد هذه المرأة يزوجنيها ، وهو يعلم أنها مخطوبة ، فهنا لا يحل له أن يشفع ، لأن هذه شفاعة في محرم .
والشفاعة في المحرم تعاونٌ على الإثم والعدوان ، وقد قال الله تعالى : (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) .
ومن ذلك أيضاً أن يأتي رجل لشخص فيقول : يا فلان أنا أريد أن أشتري دخاناً مِن فلان ، وقد سُمْتُه بكذا وكذا ، وأبى عليّ إلا بكذا وكذا أكثر مما سمتُه، فأرجوك أن تشفع لي عنده ليبيعه عليّ بهذا السعر الرخيص ، فهنا لا تجوز الشفاعة ، لأن هذه إعانة على الإثم والعدوان .
القسم الثالث : الشفاعة في شيء مباح ، الشفاعة في شيء مباح فهذه لا بأس بها ، ويكون للإنسان فيها أجر، مثل أن يأتي شخص لآخر فيسوم منه بيتاً ويقول له : هذا الثمن قليل، فيذهب السائم إلى شخص ثالث، يقول : يا فلان اشفع لي عند صاحب البيت لعله يبيعه عليّ ، فيذهب ويشفع له ، فهذا جائز، جائز بل هو مأجور على ذلك ، ولهذا : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه صاحب حاجة يلتفت إلى أصحابه ويقول : اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء ) ، أو : ( ما أحب ) ، فهنا يأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن يشفعوا لصاحب الحاجة .
ومثل ذلك أيضاً لو وَجَب لك حق أنت على شخص، ورأيت أنك إذا تنازلت عنه هكذا درب عليك في المستقبل، وانتهك حرمتك كما انتهكها بالأول، فهنا لا حرج أن تقول مثلاً لبعض الناس : اشفعوا له عندي حتى تظهر أنت بمظهر القوي ولا تجبن أمامه ويحصل المقصود .
فالمهم أن الشفاعة في غير الأمر المحرم من الإحسان إلى الغير ، (( ومَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا )) ، والله الموفق.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الشفاعة " :
الشفاعة : " هي التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة " .
مثال الأول : أن تتوسط لشخص عند آخر بأن يساعده في أمر من الأمور .
ومثال الثاني : أن تشفع لشخص عند آخر بأن يسامحه ويعفو عن مظلمته، حتى يندفع عنه الضرر .
ومثال ذلك في أيام الآخرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الموقف ليُقضى بينهم، حين يصيبهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فهذه شفاعة في دفع مضرة .
ومثالها في جلب منفعة : ( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ) .
والمراد بالشفاعة في كلام المؤلف : الشفاعة في الدنيا، أن يشفع الإنسان لشخص عند آخر، يتوسط له لجلب المنفعة له أو دفع المضرة عنه .
والشفاعة أقسام :
القسم الأول : شفاعة محرمة لا تجوز، وهي أن يشفع لشخص وجب عليه الحدّ بعد أن يصل إلى الإمام ، فإن هذه الشفاعة محرمة لا تجوز ، يعني رجل وجب عليه حدّ كقطع سرقة مثلاً ، كقطع يده في السرقة، فلما وصلت إلى الإمام أو نائب الإمام أراد إنسان أن يشفع لهذا السارق ألا تقطع يده، فهذا حرام ، أنكره النبي عليه الصلاة والسلام إنكاراً عظيماً، وذلك حينما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تقطع يد المرأة المخزومية، امرأة من بني مخزوم من أشراف قبائل العرب، كانت تستعير الشيء ثم تجحده، تستعيره لتنتفع به ثم إذا جاء صاحبه يقول : أعطيني ما استعرت مني ، قالت : ما أعرتني شيء ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ، فاهتمت لذلك قريش ، قالوا : امرأة من بني مخزوم تقطع يدها ؟ هذا عار كبير، مَن يشفع لنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فرأوا أن أقربَ الناس لذلك أسامة بن زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد ابن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن زيد بن حارثة عبدٌ أهدته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة، ثم أعتقه وكان يحبه عليه الصلاة والسلام، ويحب ابنه أسامة، فذهب أسامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهذه المرأة ألا تقطع يدها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أَتشفعُ في حدٍّ من حدود الله؟ ) قال ذلك إنكاراً عليه ، ( أشفع في حد من حدود الله ) ، ثم قام فخطب الناس وقال : ( أيها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله -يعني أقسم بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها ) : يعني ما هي بهذه المرأة، المرأة المخزومية دون فاطمة شرفاً ونسباً، فقال : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) ،
وقال عليه الصلاة والسلام : ( مَن حالت شفاعته دون حدٍ من حدود الله فقد ضادِّ الله في أمره ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع له ) .
( ولما سُرق رداء صفوان بن أمية وكان قد توسده في المسجد، فجاء رجل فسرقه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يد السارق ) ، انظر ماذا سرق ؟ سرق رداءً ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده ، ( فقال: يا رسول الله أنا لا أريد ردائي، يعني أنه رحم هذا السارق ، وقال لا تقطعونه ردائي له ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هلاّ كان ذلك قبل أن تأتيني به ) .
يعني لو سمحت عنه قبل أن تأتيني به ما قلنا لك تعالى، لكن إذا بلغت الحدود السلطان فلابد من تنفيذها، وتحرم فيها الشفاعة .
الثاني : أن يشفع في شيء محرم ، مثل أن يشفع لإنسان معتدٍ على أخيه، يعني : أَعرف مثلاً أن هذا الرجل يريد أن يخطب امرأة مخطوبة مِن قبل، والمرأة المخطوبة لا يحل لأحد خطبتها ، فذهب رجل ثاني إلى شخص وقال : يا فلان أُحِب أن تشفع لي عند والد هذه المرأة يزوجنيها ، وهو يعلم أنها مخطوبة ، فهنا لا يحل له أن يشفع ، لأن هذه شفاعة في محرم .
والشفاعة في المحرم تعاونٌ على الإثم والعدوان ، وقد قال الله تعالى : (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) .
ومن ذلك أيضاً أن يأتي رجل لشخص فيقول : يا فلان أنا أريد أن أشتري دخاناً مِن فلان ، وقد سُمْتُه بكذا وكذا ، وأبى عليّ إلا بكذا وكذا أكثر مما سمتُه، فأرجوك أن تشفع لي عنده ليبيعه عليّ بهذا السعر الرخيص ، فهنا لا تجوز الشفاعة ، لأن هذه إعانة على الإثم والعدوان .
القسم الثالث : الشفاعة في شيء مباح ، الشفاعة في شيء مباح فهذه لا بأس بها ، ويكون للإنسان فيها أجر، مثل أن يأتي شخص لآخر فيسوم منه بيتاً ويقول له : هذا الثمن قليل، فيذهب السائم إلى شخص ثالث، يقول : يا فلان اشفع لي عند صاحب البيت لعله يبيعه عليّ ، فيذهب ويشفع له ، فهذا جائز، جائز بل هو مأجور على ذلك ، ولهذا : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه صاحب حاجة يلتفت إلى أصحابه ويقول : اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء ) ، أو : ( ما أحب ) ، فهنا يأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه بأن يشفعوا لصاحب الحاجة .
ومثل ذلك أيضاً لو وَجَب لك حق أنت على شخص، ورأيت أنك إذا تنازلت عنه هكذا درب عليك في المستقبل، وانتهك حرمتك كما انتهكها بالأول، فهنا لا حرج أن تقول مثلاً لبعض الناس : اشفعوا له عندي حتى تظهر أنت بمظهر القوي ولا تجبن أمامه ويحصل المقصود .
فالمهم أن الشفاعة في غير الأمر المحرم من الإحسان إلى الغير ، (( ومَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا )) ، والله الموفق.