شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى (( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر )) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما ساقه من الآيات الكريمة في باب الحنو على الفقراء واليتامى والمساكين وما أشبههم، قال: " وقول الله تعالى: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ÷ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )) " :
الخطاب في قوله : (( أَلَمْ يَجِدْكَ )) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقرر الله تعالى في هذه الآيات أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتيماً، فإنه عليه الصلاة والسلام عاش مِن غير أم ولا أب، فكفله جده عبد المطلب، ثم مات هو في السنة الثامنة من عمره صلى الله عليه وآله وسلم، ثم كفله عمه أبو طالب، كان يتيماً وكان صلى الله عليه وآله وسلم يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط، يعني شيء يسير من الدراهم، لأنه : ( ما من نبي بعثه الله إلا رعى الغنم ) : كل الأنبياء الذين أرسلوا أول أمرهم يكونون رعاة غنم، لماذا؟ من أجل أن يعرفوا ويتمرنوا على الرعاية وحسن الولاية، واختار الله لهم أن تكون رعيتهم غنماً، لأن راعي الغنم يكون عليه السكينة والرأفة والرحمة، لأنه يرعى مواشي ضعيفة بخلاف رعاة الإبل، رعاة الإبل أكثر ما يكون فيهم الجفاء والغلظة، لأن الإبل كذلك غليظة قوية جبارة.
فكان عليه الصلاة والسلام يتيما، نشأ يتيماً، ثم إن الله سبحانه وتعالى أكرمه فيسر له زوجة صالحة، وهي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها تزوجها وله خمس وعشرون من العمر، ولها أربعون سنة، وكانت حكيمة عاقلة صالحة، رزقه الله منها أولاده كلهم من بنين وبنات إلا إبراهيم فإنه كان من سُريته مارية القبطية، المهم أن الله يسرها له، وقامت بشئونه، ولم يتزوج سواها صلى الله عليه وآله وسلم حتى ماتت.
أكرمه الله عز وجل بالنبوة فكان أول ما بُدىء به الوحي أن يرى الرؤيا في المنام، فإذا رأى الرؤيا في المنام جاءت مثل فلق الصبح في يومها بينة واضحة، لأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فدعا إلى الله، وبشر وأنذر وتبعه الناس، وكان هذا اليتيم الذي يرعى الغنم كان إماماً لأمةٍ هي أعظم الأمم، وكان راعياً لهم عليه الصلاة والسلام، راعياً للبشر للأمم ، لهذه الأمة العظيمة.
قال: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : آواك الله بعد يُتمك، ويسر لك من يقوم بشؤونك حتى ترعرعت، وكبرت، ومنّ الله عليك بالرسالة العظمى.
(( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى )) : وجدك ضالاً : يعني غير عالم، كما قال الله تعالى: (( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ )) ، وقال تعالى: (( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ )) وقال الله تعالى: (( ومَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ )) ولكن صار بهذا الكتاب العظيم، صار عالماً كامل الإيمان عليه الصلاة والسلام، وجدك ضالاً : أي غير عالم ولكنه هداك. بماذا هداه؟ بالقرآن ، هداه الله بالقرآن.
(( وَوَجَدَكَ عَائِلاً )) يعني : فقيراً ، (( فَأَغْنَى )) أغناك، فتح الله عليك الفتوح حتى كان يقسم ويعطي الناس، أعطى ذات يوم رجلاً غنماً بين جبلين، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة عليه الصلاة والسلام .
ثم تأملوا: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) ما قال فآواك، قال: (( فَآوَى )) ، (( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى )) ولم يقل : فهداك ، (( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى )) ولم يقل : فأغناك، لماذا؟ لمناسبتين: إحداهما لفظية، والثانية معنوية.
أما اللفظية: فلأجل تتناسب الآيات، رؤوس الآيات ، (( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى )) كل آخر الآيات ألفات، (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : لو قال : فآواك اختلف اللفظ، ووجدك ضالاً فهداك ، اختلف اللفظ، ووجدك عائلاً فأغناك ، اختلف اللفظ، لكن جعل الآيات كلها على فواصل حرف واحد .
المناسبة الثانية معنوية: وهي أعظم، (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : هل آواه الله وحده أو آواه وآوى أمته؟ الثاني، آواه الله وآوى على يديه أمماً لا يحصيهم إلا الله عز وجل، (( ووجدك ضالاً فهدى )) : هل هداه وحده؟ لا، هدى به أمما عظيمة إلى يوم القيامة، (( ووجدك عائلاً فأغنى )) نعم هل أغناه الله وحده؟ لا، أغناه الله وأغنى به.
كم حصل للأمة الإسلامية من الفتوحات العظيمة. (( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ )) : فأغناهم الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم، إذاً ألم يجدك يتيماً فآواك وآوى بك، ووجدك ضالاً فهداك وهدى بك، ووجدك عائلاً فأغناك وأغنى بك، هكذا حال الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم قال: (( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ )) : اذكر نفسك حين كنت يتيماً، فلا تقهر اليتيم، يسر له أمره، سهل أمره، إذا صاح فسكته، إذا غضب فأرضه، إذا تعب فخفف عليه، وهكذا، (( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ )) ، (( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ )) : السائل : يظهر من سياق الآيات أنه سائل المال الذي يقول أعطني مالاً، فلا تنهره، لأنه قال: (( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى )) ، فلما أغناك لا تنهر السائل ، تذكر حالك حينما كنت فقيراً، فلا تنهر السائل.
ويحتمل أن يُراد بالسائل سائل المال وسائل العلم، حتى الذي يسأل العلم لا تنهره، الذي يسأل العلم إلقه بانشراح صدر، لأنه لولا أنه محتاج ولولا أن عنده خوفَ الله عز وجل ما جاء يسأل، لا تقابله ، اللهم إلا مَن تعنَّت فهذا لا حرج أن تنهره.
لو كنت تخبره ثم يقول : هذا حرام ، ليش حرام ؟ ليش الله يحرم الربا ويحل البيع؟ ليش الله يحرم الأم من الرضاع ولا يحرم غيرها مثلاً؟ نعم ، وأشياء كثيرة ، هذا الذي يتعنت انهره ولا حرج أن تغضب عليه، كما : " فعل الرسول عليه الصلاة والسلام حين تشاجر رجل من الأنصار والزبير بن العوام، تشاجروا في في الوادي شعيف يأتي السيل، وكان الزبير رضي الله عنه حائطه قبل حائط الأنصاري فتنازعا، الأنصاري يقول للزبير: لا تحبس الماء عني، والزبير يقول: أنا أعلى فأنا الأحق، تشاجروا عند الرسول عليه الصلاة والسلام، تخاصموا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أسق يا زبير ثم أرسله إلى جارك ) هذا حكم ، فقال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله! كلمة لكن الغضب حمله عليها والعياذ بالله، الزبير بن العوام ابن صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله، فغضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( أسق يا زبير حتى يصل إلى الجدر ) المسلة التي يسمونها : المسلة، التي تكون بين حياض الماء ، ( ثم أرسله إلى جارك ) " .
فالحاصل أن السائل للعلم لا تنهره، تلقه بصدر رحب، وعلّمه حتى يفهم، خصوصاً في وقتنا الآن، كثير من الناس الآن يسألك وقلبه مهو بمعك ، تجيبه بالسؤال ثم يفهمه خطأ ثم يروح يقول للناس: أفتاني العالم الفلاني بكذا وكذا، ولهذا ينبغي أنك لا تطلق الإنسان الذي يسألك حتى تعرف أنه عرف.
(( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )) : نعمة الله عليك حدث بها، قل : الحمد لله رزقني الله علماً، رزقني الله مالاً، رزقني الله ولداً، وما أشبه ذلك.
والتحديث بنعمة الله نوعان : تحديث باللسان، وتحديث بالأركان.
تحديث باللسان: تقول: أنعم الله علي، كنت فقيراً فأغناني الله، كنت ما أعرف فعلمني الله، وما أشبه ذلك.
التحديث بالأركان: أن تُرى أثر نعمة الله عليك، تُرى أثر النعمة،كنت غنياً لا تلبس ثياب الفقراء البس ثياباً تليق بك، كذلك المنزل، كذلك المركوب، كل شيء خل الناس يعرفون نعمة الله عليك، فإن هذا من التحديث بنعمة الله عز وجل، ومن التحديث بنعمة الله إذا كنت قد أعطاك الله علماً أن تحدث الناس به تعلم الناس، لأن الناس محتاجون، وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما ساقه من الآيات الكريمة في باب الحنو على الفقراء واليتامى والمساكين وما أشبههم، قال: " وقول الله تعالى: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ÷ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )) " :
الخطاب في قوله : (( أَلَمْ يَجِدْكَ )) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقرر الله تعالى في هذه الآيات أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتيماً، فإنه عليه الصلاة والسلام عاش مِن غير أم ولا أب، فكفله جده عبد المطلب، ثم مات هو في السنة الثامنة من عمره صلى الله عليه وآله وسلم، ثم كفله عمه أبو طالب، كان يتيماً وكان صلى الله عليه وآله وسلم يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط، يعني شيء يسير من الدراهم، لأنه : ( ما من نبي بعثه الله إلا رعى الغنم ) : كل الأنبياء الذين أرسلوا أول أمرهم يكونون رعاة غنم، لماذا؟ من أجل أن يعرفوا ويتمرنوا على الرعاية وحسن الولاية، واختار الله لهم أن تكون رعيتهم غنماً، لأن راعي الغنم يكون عليه السكينة والرأفة والرحمة، لأنه يرعى مواشي ضعيفة بخلاف رعاة الإبل، رعاة الإبل أكثر ما يكون فيهم الجفاء والغلظة، لأن الإبل كذلك غليظة قوية جبارة.
فكان عليه الصلاة والسلام يتيما، نشأ يتيماً، ثم إن الله سبحانه وتعالى أكرمه فيسر له زوجة صالحة، وهي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها تزوجها وله خمس وعشرون من العمر، ولها أربعون سنة، وكانت حكيمة عاقلة صالحة، رزقه الله منها أولاده كلهم من بنين وبنات إلا إبراهيم فإنه كان من سُريته مارية القبطية، المهم أن الله يسرها له، وقامت بشئونه، ولم يتزوج سواها صلى الله عليه وآله وسلم حتى ماتت.
أكرمه الله عز وجل بالنبوة فكان أول ما بُدىء به الوحي أن يرى الرؤيا في المنام، فإذا رأى الرؤيا في المنام جاءت مثل فلق الصبح في يومها بينة واضحة، لأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فدعا إلى الله، وبشر وأنذر وتبعه الناس، وكان هذا اليتيم الذي يرعى الغنم كان إماماً لأمةٍ هي أعظم الأمم، وكان راعياً لهم عليه الصلاة والسلام، راعياً للبشر للأمم ، لهذه الأمة العظيمة.
قال: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : آواك الله بعد يُتمك، ويسر لك من يقوم بشؤونك حتى ترعرعت، وكبرت، ومنّ الله عليك بالرسالة العظمى.
(( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى )) : وجدك ضالاً : يعني غير عالم، كما قال الله تعالى: (( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ )) ، وقال تعالى: (( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ )) وقال الله تعالى: (( ومَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ )) ولكن صار بهذا الكتاب العظيم، صار عالماً كامل الإيمان عليه الصلاة والسلام، وجدك ضالاً : أي غير عالم ولكنه هداك. بماذا هداه؟ بالقرآن ، هداه الله بالقرآن.
(( وَوَجَدَكَ عَائِلاً )) يعني : فقيراً ، (( فَأَغْنَى )) أغناك، فتح الله عليك الفتوح حتى كان يقسم ويعطي الناس، أعطى ذات يوم رجلاً غنماً بين جبلين، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة عليه الصلاة والسلام .
ثم تأملوا: (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) ما قال فآواك، قال: (( فَآوَى )) ، (( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى )) ولم يقل : فهداك ، (( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى )) ولم يقل : فأغناك، لماذا؟ لمناسبتين: إحداهما لفظية، والثانية معنوية.
أما اللفظية: فلأجل تتناسب الآيات، رؤوس الآيات ، (( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى )) كل آخر الآيات ألفات، (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : لو قال : فآواك اختلف اللفظ، ووجدك ضالاً فهداك ، اختلف اللفظ، ووجدك عائلاً فأغناك ، اختلف اللفظ، لكن جعل الآيات كلها على فواصل حرف واحد .
المناسبة الثانية معنوية: وهي أعظم، (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى )) : هل آواه الله وحده أو آواه وآوى أمته؟ الثاني، آواه الله وآوى على يديه أمماً لا يحصيهم إلا الله عز وجل، (( ووجدك ضالاً فهدى )) : هل هداه وحده؟ لا، هدى به أمما عظيمة إلى يوم القيامة، (( ووجدك عائلاً فأغنى )) نعم هل أغناه الله وحده؟ لا، أغناه الله وأغنى به.
كم حصل للأمة الإسلامية من الفتوحات العظيمة. (( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ )) : فأغناهم الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وسلم، إذاً ألم يجدك يتيماً فآواك وآوى بك، ووجدك ضالاً فهداك وهدى بك، ووجدك عائلاً فأغناك وأغنى بك، هكذا حال الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم قال: (( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ )) : اذكر نفسك حين كنت يتيماً، فلا تقهر اليتيم، يسر له أمره، سهل أمره، إذا صاح فسكته، إذا غضب فأرضه، إذا تعب فخفف عليه، وهكذا، (( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ )) ، (( وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ )) : السائل : يظهر من سياق الآيات أنه سائل المال الذي يقول أعطني مالاً، فلا تنهره، لأنه قال: (( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى )) ، فلما أغناك لا تنهر السائل ، تذكر حالك حينما كنت فقيراً، فلا تنهر السائل.
ويحتمل أن يُراد بالسائل سائل المال وسائل العلم، حتى الذي يسأل العلم لا تنهره، الذي يسأل العلم إلقه بانشراح صدر، لأنه لولا أنه محتاج ولولا أن عنده خوفَ الله عز وجل ما جاء يسأل، لا تقابله ، اللهم إلا مَن تعنَّت فهذا لا حرج أن تنهره.
لو كنت تخبره ثم يقول : هذا حرام ، ليش حرام ؟ ليش الله يحرم الربا ويحل البيع؟ ليش الله يحرم الأم من الرضاع ولا يحرم غيرها مثلاً؟ نعم ، وأشياء كثيرة ، هذا الذي يتعنت انهره ولا حرج أن تغضب عليه، كما : " فعل الرسول عليه الصلاة والسلام حين تشاجر رجل من الأنصار والزبير بن العوام، تشاجروا في في الوادي شعيف يأتي السيل، وكان الزبير رضي الله عنه حائطه قبل حائط الأنصاري فتنازعا، الأنصاري يقول للزبير: لا تحبس الماء عني، والزبير يقول: أنا أعلى فأنا الأحق، تشاجروا عند الرسول عليه الصلاة والسلام، تخاصموا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أسق يا زبير ثم أرسله إلى جارك ) هذا حكم ، فقال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله! كلمة لكن الغضب حمله عليها والعياذ بالله، الزبير بن العوام ابن صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله، فغضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ( أسق يا زبير حتى يصل إلى الجدر ) المسلة التي يسمونها : المسلة، التي تكون بين حياض الماء ، ( ثم أرسله إلى جارك ) " .
فالحاصل أن السائل للعلم لا تنهره، تلقه بصدر رحب، وعلّمه حتى يفهم، خصوصاً في وقتنا الآن، كثير من الناس الآن يسألك وقلبه مهو بمعك ، تجيبه بالسؤال ثم يفهمه خطأ ثم يروح يقول للناس: أفتاني العالم الفلاني بكذا وكذا، ولهذا ينبغي أنك لا تطلق الإنسان الذي يسألك حتى تعرف أنه عرف.
(( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )) : نعمة الله عليك حدث بها، قل : الحمد لله رزقني الله علماً، رزقني الله مالاً، رزقني الله ولداً، وما أشبه ذلك.
والتحديث بنعمة الله نوعان : تحديث باللسان، وتحديث بالأركان.
تحديث باللسان: تقول: أنعم الله علي، كنت فقيراً فأغناني الله، كنت ما أعرف فعلمني الله، وما أشبه ذلك.
التحديث بالأركان: أن تُرى أثر نعمة الله عليك، تُرى أثر النعمة،كنت غنياً لا تلبس ثياب الفقراء البس ثياباً تليق بك، كذلك المنزل، كذلك المركوب، كل شيء خل الناس يعرفون نعمة الله عليك، فإن هذا من التحديث بنعمة الله عز وجل، ومن التحديث بنعمة الله إذا كنت قد أعطاك الله علماً أن تحدث الناس به تعلم الناس، لأن الناس محتاجون، وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى.