شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله تعالى (( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه )) رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ) : وهذا في أول الإسلام في مكة، لأن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام ، أسلم وأسلم معه جماعة، ومن المعلوم أن من أول الناس إسلاماً أبو بكر رضي الله عنه، بعد خديجة وورقة بن نوفل، وكان هؤلاء النفر الستة منهم ابن مسعود رضي الله عنه، وكان راعيَ غنم فقيراً، وكذلك بلال بن أبي رباح عبد مملوك، وكانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام يجلسون إليه يستمعون له وينتفعون بما عنده، وكان المشركون العظماء في أنفسهم، كانوا يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( فقالوا له: اطرد عنا هؤلاء ) ، قالوا هذا احتقاراً لهؤلاء الذين يجلسون مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، اطردهم عنا لا يجلسون معنا.
فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع، وفكر في الأمر، فأنزل الله تعالى: (( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه )) : نهاه الله عز وجل أن يطرد هؤلاء وإن كانوا فقراء، وإن لم يكن لهم قيمة في المجتمع، لكن لهم قيمة عند الله، لأنهم يدعون الله بالغداة والعشي، يعني صباحاً ومساءً، يدعونه دعاء مسألة فيسألونه رضوانه والجنة، ويستعيذون به من النار.
ويدعونه دعاء عبادة يعبدون الله، وعبادة الله تشتمل على الدعاء، ففي الصلاة مثلاً يقول الإنسان: رب اغفر لي، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وما أشبه ذلك، ثم هو أيضاً العابد إنما يعبد لنيل رضا الله عز وجل.
وفي قوله: (( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )) : تنبيه على الإخلاص ، وأن الإخلاص له أثر كبير في قبول الأعمال ، ورفعة العمال عند الله عز وجل ، فكلما كان الإنسان في عمله أخلص ، كان أرضى لله وأكثر لثوابه ، وكم من إنسان يصلي وإلى جانبه آخر يصلي معه في صلاة ، ويكون بينهما مِن الرفعة عند الله والثواب والجزاء كما بين السماء والأرض، وذلك للنية وإخلاص النية عند أحدهما دون الآخر، فالواجب على الإنسان أن يحرص غاية الحِرص على إخلاص نيته لله في عبادته، وألا يقصد بعبادته شيئاً مِن أمور الدنيا، لا يقصد إلا رضا الله وثوابه، حتى ينال بذلك الرفعة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى في آخر الآية: (( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ )) : يعني ليس عليك شيء منهم ولا عليهم شيء منك، حساب الجميع على الله، وكل يجازى بعمله ، (( فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )) الفاء هذه : تعود على قوله: (( ولا تطرد )) لا على قوله: (( مَا عَلَيْك )) ، فعندنا هنا في الآية فاءان: الفاء الأولى (( فَتَطْرُدَهُمْ )) وهذه مرتبة على قوله: (( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ )) ، و(( فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )) مرتبة على قوله: (( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ )) : يعني فإن طردتهم فإنك من الظالمين.
ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان ينبغي له أن يكون جليسه أهل الخير الذين يدعون الله صباحاً ومساءً يريدون وجهه، وألا يهتم بالجلوس مع الأكابر، والأشراف، والأمراء، والوزراء، والحكام، بل لا ينبغي أن يجلس إلى هؤلاء إلا أن يكون في ذلك مصلحة، إذا كان في ذلك مصلحة يريد أن يأمرهم بمعروف، أو ينهاهم عن منكر، أو يبين لهم ما خفي عليهم من حال الأمة، فهذا طيب وفيه خير.
أما مجرد الأنس بمجالستهم، ونيل الجاه بأنه جلس مع الأكابر، مع الوزراء، مع الأمراء، مع ولاة الأمور، فهذا غرض لا يُحمد عليه العبد، إنما يحمد على الجلوس مع من كان أتقى لله من غني وفقير، وحقير وشريف، المدار كله على رضا الله عز وجل، وعلى محبة مَن أحب الله.
وقد ذاق طعمَ الإيمان من والى من والاه الله، وعادى من عاداه الله، وأحب في الله، وأبغض في الله، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ) : وهذا في أول الإسلام في مكة، لأن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام ، أسلم وأسلم معه جماعة، ومن المعلوم أن من أول الناس إسلاماً أبو بكر رضي الله عنه، بعد خديجة وورقة بن نوفل، وكان هؤلاء النفر الستة منهم ابن مسعود رضي الله عنه، وكان راعيَ غنم فقيراً، وكذلك بلال بن أبي رباح عبد مملوك، وكانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام يجلسون إليه يستمعون له وينتفعون بما عنده، وكان المشركون العظماء في أنفسهم، كانوا يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( فقالوا له: اطرد عنا هؤلاء ) ، قالوا هذا احتقاراً لهؤلاء الذين يجلسون مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، اطردهم عنا لا يجلسون معنا.
فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع، وفكر في الأمر، فأنزل الله تعالى: (( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه )) : نهاه الله عز وجل أن يطرد هؤلاء وإن كانوا فقراء، وإن لم يكن لهم قيمة في المجتمع، لكن لهم قيمة عند الله، لأنهم يدعون الله بالغداة والعشي، يعني صباحاً ومساءً، يدعونه دعاء مسألة فيسألونه رضوانه والجنة، ويستعيذون به من النار.
ويدعونه دعاء عبادة يعبدون الله، وعبادة الله تشتمل على الدعاء، ففي الصلاة مثلاً يقول الإنسان: رب اغفر لي، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وما أشبه ذلك، ثم هو أيضاً العابد إنما يعبد لنيل رضا الله عز وجل.
وفي قوله: (( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ )) : تنبيه على الإخلاص ، وأن الإخلاص له أثر كبير في قبول الأعمال ، ورفعة العمال عند الله عز وجل ، فكلما كان الإنسان في عمله أخلص ، كان أرضى لله وأكثر لثوابه ، وكم من إنسان يصلي وإلى جانبه آخر يصلي معه في صلاة ، ويكون بينهما مِن الرفعة عند الله والثواب والجزاء كما بين السماء والأرض، وذلك للنية وإخلاص النية عند أحدهما دون الآخر، فالواجب على الإنسان أن يحرص غاية الحِرص على إخلاص نيته لله في عبادته، وألا يقصد بعبادته شيئاً مِن أمور الدنيا، لا يقصد إلا رضا الله وثوابه، حتى ينال بذلك الرفعة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى في آخر الآية: (( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ )) : يعني ليس عليك شيء منهم ولا عليهم شيء منك، حساب الجميع على الله، وكل يجازى بعمله ، (( فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )) الفاء هذه : تعود على قوله: (( ولا تطرد )) لا على قوله: (( مَا عَلَيْك )) ، فعندنا هنا في الآية فاءان: الفاء الأولى (( فَتَطْرُدَهُمْ )) وهذه مرتبة على قوله: (( مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ )) ، و(( فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ )) مرتبة على قوله: (( وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ )) : يعني فإن طردتهم فإنك من الظالمين.
ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان ينبغي له أن يكون جليسه أهل الخير الذين يدعون الله صباحاً ومساءً يريدون وجهه، وألا يهتم بالجلوس مع الأكابر، والأشراف، والأمراء، والوزراء، والحكام، بل لا ينبغي أن يجلس إلى هؤلاء إلا أن يكون في ذلك مصلحة، إذا كان في ذلك مصلحة يريد أن يأمرهم بمعروف، أو ينهاهم عن منكر، أو يبين لهم ما خفي عليهم من حال الأمة، فهذا طيب وفيه خير.
أما مجرد الأنس بمجالستهم، ونيل الجاه بأنه جلس مع الأكابر، مع الوزراء، مع الأمراء، مع ولاة الأمور، فهذا غرض لا يُحمد عليه العبد، إنما يحمد على الجلوس مع من كان أتقى لله من غني وفقير، وحقير وشريف، المدار كله على رضا الله عز وجل، وعلى محبة مَن أحب الله.
وقد ذاق طعمَ الإيمان من والى من والاه الله، وعادى من عاداه الله، وأحب في الله، وأبغض في الله، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.