تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته فقال: ( من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار ) . متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث من العِبر:
أولاً: بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أشرف بيوته، فيه أحب نسائه إليه، لا يوجد به إلا تمرة واحدة، ونحن الآن في بلدنا هذا يُقدم للإنسان عند الأكل خمسة أصناف أربعة أصناف شتى، لماذا فُتِحت علينا الدنيا وأغلقت عليهم؟! ألكوننا أحب إلى الله منهم؟! لا والله، هم أحب إلى الله منا، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء، نحن ابتلينا بهذه النعم، فصارت هذه النعم عند كثير من الناس اليوم صارت سبباً للشر والفساد والأشر والبطر، حتى فسقوا والعياذ بالله، ويُخشى علينا من عقوبة الله عز وجل، بسبب أن كثيراً منا بطروا هذه النعم وكفروها، وجعلوها عَوناً على معاصي الله سبحانه وتعالى نسأل الله السلامة.
ثانياً: وفيه أيضاً ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الإيثار، فإن عائشة ليس عندها إلا تمرة، ومع ذلك آثرت بها هذه المسكينة، ونحن الآن عندنا أموال كثيرة ويأتي السائل ونرده.
لكن بلاءنا في الحقيقة مِن رد السائل أن كثيراً من السُؤَّآل كاذبون، يسأل وهو أغنى من المسؤول، كم من إنسان سأل ويسأل الناس ويُلحق في المسألة فإذا مات وجدت عنده الدراهم داهم الفضة والذهب الأحمر والأوراق الكثيرة من النقود! هذا هو الذي يجعل الإنسان لا يتشجع على إعطاء كل سائل، من أجل الكذب والخداع، يظهرون بمظهر العجزة، بمظهر المعتوهين، بمظهر الفقراء وهم كاذبون.
وفي هذا أيضاً من العِبر أن الصحابة رضي الله عنهم يوجد فيهم الفقير كما يوجد فيهم الغني، قال الله تعالى : (( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً )) : ولولا هذا التفاوت ما اتخذ بعضنا بعضاً سخرياً، لو كنا على حد سواء احتاج الإنسان مثلاً لعمل، لبناء، جاء إلى آخر قال: أريدك تبني عندي البيت قال: ما أبني، أنا مثلك، أنا غني، أردنا أن يصنع لنا باباً، قال ما أصنع، أنا غني مثلك، لكن هذا التفاوت جعل الناس يخدم بعضهم بعضاً
" الناس للناس من بدو وحاضرة *** بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم " ،
حتى التاجر يخدم الفقير، التاجر الغني المليارات عنده يخدم الفقير، كيف؟! يورد الأطعمة والأشربة والأكسية ومواد البناء وغيرها، يجلبها للفقير ينتفع بها، كل الناس بعضهم لبعض، يخدم بعضهم بعضاً حكمة من الله عز وجل.
وفي هذا الحديث أيضاً دليل على فضل من أحسن إلى البنات بالمال، والكسوة، وطيب الخاطر، ومراعاة أنفسهن لأنهن عاجزات قاصرات.
وفيه ما أشرنا إليه أولاً من أن الذي يُكلف بالنفقة وينفق هم الرجال، أما النساء فللبيوت ولمصالح البيوت، وكذلك للمصالح التي لا يقوم بها النساء كمدارس البنات.
أما أن يُجعلن موظفات مع الرجال في مكتب واحد، أو سكرتيرات كما يوجد في كثير من بلاد المسلمين، فإن هذا لا شك خطأ عظيم، وشر عظيم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) : لأن أولها قريب من الرجال فصار شراً ، فانظر كيف نُدب للمرأة أن تتأخر وتبتعد عن الإمام، كل ذلك من أجل البعد عن الرجال، نسأل الله أن يحمينا وإخواننا المسلمين من أسباب سخطه وعقابه.