شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذ انبعث أشقاها انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه ثم ذكر النساء فوعظ فيهن فقال يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة وقال لم يضحك أحدكم مما يفعل ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه : ( أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته ) ، وكان عليه الصلاة والسلام خطبه على نوعين: نوع راتب، ونوع عارض:
فالخطب الراتبة : كخطب يوم الجمعة، وخطب العيدين، والاستسقاء، والكسوف وما أشبه ذلك.
والخطب العارضة : هي التي يكون لها سبب، فيقوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيخطب الناس ويعظمهم ويبين لهم.
وأحياناً يخطب على المنبر، وأحياناً يخطب قائماً على الأرض، وأحياناً يخطب على ناقته، وأحياناً يخطب معتمداً على بعض أصحابه، حسب ما تقتضيه الحال في وقتها، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام من هديه أنه لا يتكلف ، فلا يطلب المعدوم، ولا يرد الموجود إذا لم يكن في ذلك تقصير في الشرع، أو تجاوز فيه.
فكان يخطب، سمعه عبد الله بن زمعة، من جملة ما خطب أنه قال: ( علام يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ) : يعني يجلدها جلد شخص كأنه لا علاقة بينه وبينها، وكأنها عنده عبد أسير عاني، وهذا لا يليق، لأن علاقة الرجل مع أهله علاقة خاصة ينبغي أن تكون مبنية على المحبة والألفة والبعد عن الفحشاء القولية أو الفعلية، أما أن يجلدها كما يجلد العبدَ ثم في آخر اليوم يضاجعها، كيف تضاجعها في آخر اليوم وتستمتع بها محبة وتلذذاً وشهوة وأنت قد جلدتها جلد العبد؟!
هذا تناقض، ولهذا عتب النبي عليه الصلاة السلام على هذا العمل، وأنه كيف يقع هذا الشيء من الإنسان، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام، فإن هذا لا يليق بالعاقل فضلاً عن المؤمن.
ثم تحدث أيضاً عن شيء آخر وهو ضحكه من الضرطة، يعني إذا ضرط الإنسان خرجت الريح من دبره ولها صوت ضحكوا، يقول: كيف تضحكون؟ ليش تضحكون؟ ( علام يضحك أحدكم مما يفعل؟! ) : ألست أنت تضرط كما يضرط هذا الرجل؟ بلى، إذا كان كذلك فلماذا تضحك؟ الإنسان إنما يضحك ويتعجب عن شيء لا يقع منه، أما ما يقع منه فإنه لا ينبغي أن يضحك منه، ولهذا عاتب النبي صلى الله عليه وسلم على من يضحكون من الضرطة، لأن هذا شيء يخرج منك وعادة عند كثير من الناس، كثير من الناس في بعض الأعراف لا يبالون إذا ضرط أحدهم وإلى جنبه إخوانه، ولا يحتشمون من ذلك أبداً، ويرون أنها من جنس العطاس أو السعال أو ما أشبه ذلك. صحيح في بعض الأعراف ينتقدون هذا، لكن كونه تضحك ويخجل صاحبه لأنك إذا ضحكت على صاحبك خجل ، طيب كيف وأنت تفعل مثل ما يفعل.
وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي له أن يعيب غيره فيما يفعله هو بنفسه، إذا كنت لا تعيبه بنفسك كيف تعيبه بإخوانك؟!