تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد . قال الله تعالى (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) وقال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )) . عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ... ) . حفظ
الشيخ : ومن إطلاق الخبيث على المحرم قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : (( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )) : يعني يحرم عليهم الخبائث وهي ضد الطيبات، مثل الميتة، لحم الخنزير، المنخنقة، الخمر، وما أشبه ذلك.
ومعنى الآية : أنه لا يحرم إلا الخبائث، وليس معناها أن كلَّ خبيث يحرمه لأنه كما عرفتم الآن أن الخبث يطلق على أوصاف متعددة، لكن المعنى أنه لا يُحرم إلا الخبائث عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أن الله عز وجل نهى أن يَقصد الإنسان الرديء من ماله فيتصدق به، وحث على أن ينفق مما يحب ومما هو خير.
ثم ذكر المؤلف حديث أبي طلحة زوج أم أنس رضي الله عنه، أبو طلحة أكثر الأنصار حقلاً يعني : أكثرهم مزارع، وكان له بستان فيه ماء طيب مستقبل المسجد أي : مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ، يعني أن المسجد في قبلته، في قبلة هذا البستان، وكان فيه ماء طيب عذب، يأتيه النبي عليه الصلاة والسلام ويشرب منه.
فلما نزل قوله تعالى: (( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )) ، بادر رضي الله عنه، وسابق وسارع، وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ( يا رسول الله، إن الله تعالى أنزل قوله: (( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )) وإن أحب أموالي إلي بيْرَحاء -يعني البستان هذا اسمه بيرحاء-، وإني أضعها: يعني بين يديك صدقة، إلى الله ورسوله: -يعني تصريفها إلى الله ورسوله- فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم متعجباً: بخٍ بخ -كلمة تعجب يعني ما أعظم هذه الهمة، وما أعلاها- ذاك مال رابح، ذاك مال رابح ) ، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، هذا المال الرابح، كم من حسنة؟
الطالب : عشر أمثالها .
الشيخ : إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، لو باع بستانه الذي يسوى عشرة آلاف بعشرين ألف قالوا ربح، هذا ربح كبير ، النصف ربح عظيم ، لكن هذا يربح المئة، ألف، إلى سبعة آلاف، إلى أضعاف كثيرة ، إلى أضعاف كثيرة، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، صدق النبي عليه الصلاة والسلام: ( ذاك مال رابح، ذاك مال رابح ، أرى أن تجعلها في الأقربين ) . أرى أن تجعلها في الأقربين : أقاربك، ففعل رضي الله عنه، وقسمها في أقاربه وبني عمه.
وسيأتي إن شاء الله الكلام على بعض ما يستفاد من هذا الحديث، لكن تعجبوا كيف كان مبادرة الصحابة رضي الله عنهم، ومسارعتهم إلى الخير، " وكان ابن عمر إذا أعجبه شيء في ماله تصدق به، إذا أعجبه شيء وتعلقت به نفسه تصدق به، لماذا؟ لأجل أن يربحه، يربحه يلقاه فيما أمامه " .
لكن ما تتمسك يه فهو إما زائل عنك، وإما أن تزول عنه أنت، ولابد ، لابد من أحد أمرين، إما أن يتلف أو تتلف أنت، لكن الذي تقدمه هو الذي يبقى، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على أنفسنا ويعيذنا من البخل والشح.
الحقيقة أن مالك الحقيقي هو ما تقدمه، " ذبح آلُ النبي صلى الله عليه وسلم شاةً وتصدقوا منها ، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : إننا يعني أكلناها إلا كتفها تصدقنا به ، قال أبقيتم كتفها ، يعني معنى الحديث لا يحضرني لفظه ، لكن معناه : أن ما أكلتم هو الذي تلف عليكم ، ما تصدقتم به فهو الذي بقي لكم " .
فالحاصل أن الصحابة وذوي الهمم العالية هم الذين يعرفون قدر الدنيا وقدر المال، وأن ما قدموه هو الباقي، وما أبقوه هو الفاني، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من البخل والشح، والجبن والكسل، والحمد لله رب العالمين.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن أنس رضي الله عنه قال : ( كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرَحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ))، جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن الله تعالى أنزل عليك: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ))، وإن أحب مالي إليَّ بيرحاء وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذاك مال رابح ذاك مال رابح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحةرضي الله عنه : أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه )
، متفق علي "
.