شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب بر الوالدين وصلة الأرحام . قال الله تعالى (( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم )) وقال تعالى (( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام )) وقال تعالى (( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل )) وقال تعالى (( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا )) وقال تعالى (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا )) وقال تعالى (( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك )) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى قال ( الصلاة على وقتها ) قلت ثم أي قال ( بر الوالدين ) قلت ثم أي قال ( الجهاد في سبيل الله ) متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ) رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب بر الوالدين وصلة الأرحام " :
الوالدان: هما الأب والأم، وعبَّر بالبر اتباعاً لما جاء في النص، عبر في حق الوالدين بالبر اتباعاً لما جاء في النص، وعبر عن صلة الأرحام بالصلة، لأنه هكذا جاء أيضاً بالنص، والأرحام هم القرابة.
وبر الوالدين مِن أفضل الأعمال ، بل هو الحق الثاني بعد حق الله ورسوله.
وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- آيات كثيرة في هذا المعنى كقوله تعالى: (( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )) ، وقال تعالى: (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )) ، وقال تعالى: (( وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً )) ، وقال تعالى: (( وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )) .
وقال تعالى: (( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا ً)) .
وكل هذه الآيات وغيرها تدل على عظم حق الوالدين، وقد بين الله سبحانه وتعالى حال الأم، أنها تحمل ولدها وهناً على وهن: أي ضعفاً على ضعف، مِن حين أن تحمل به إلى أن تضعه وهي في ضعف ومشقة وعناء ، وكذلك عند الوضع كما قال تعالى: (( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً )) : كل هذا لبيان سبب حقهما العظيم.
ثم ذكر الله أشدَّ حالة يكون عليها الوالدان فقال: (( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ )) ، لأن الوالدين إذا بلغا الكبر، ضعفت نفوسهما، وصارا عالة على الولد، ومع ذلك يقول: (( لا تقل لهما أفٍ )) : يعني لا تقل : إني متضجر منكما ، بل عاملهما باللطف والإحسان والرفق، ولا تنهرهما إذا تكلما (( وقل لهما قولاً كريماً )) يعني: رد عليهما رداً جميلاً لعظم الحق.
ثم ذكر حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين سأله عبد الله بن مسعود : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيٌّ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ) : فجعل النبي عليه الصلاة والسلام مرتبة البر بالوالدين مقدمة على مرتبة الجهاد في سبيل الله ، قال: ولو استزدته لزادني، ففيها دليل على فضل بر الوالدين.
فإن قال قائل: ما هو البر؟ قلنا: هو : " الإحسان إليهما بالقول والفعل والمال بقدر المستطاع، اتقوا الله ما استطعتم، وضد ذلك العقوق " .
ثم ذكر الحديث الثاني أنه : ( لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه ) : يعني يعتقه بشرائه، لأنه فك أباه من رق العبودية لغير الله، للإنسان، وهذا الحديث لا يدل على أن من ملك أباه لا يَعتُق عليه، بل نقول: إن معناه إلا أن يشتريه فيعتقه، أي فيعتقه بشرائه، لأن الإنسان إذا ملك أباه عتق عليه بمجرد الملك، ولا يحتاج إلى أن يقول : أعتقتك، وكذلك إذا ملك أمه تعتق بمجرد الملك، ولا يحتاج إلى أن يقول : أعتقتها، والله الموفق.