شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرءوا إن شئتم (( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم )) متفق عليه وفي رواية للبخاري ( فقال الله تعالى من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته ) . وعنه رضي الله عنه قال ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك ) متفق عليه وفي رواية يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك ) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذان الحديثان في بيان فضل صلة الرحم، والرحم سبق لنا أنهم هم الأقارب، وصلتهم بما جرى به العرف واتبعه الناس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقيده بشيء معين، لم يقيده بأن يأكلوا معك أو يشربوا معك، أو يكتسوا معك أو يسكنوا معك، أطلق، فما جرى به العُرف أنه صلة فهو الصلة، وما قال الناس أنه قطيعة فهو قطيعة، هذا هو الأصل.
نعم لو فُرِض أن الأعراف فسدت وصار الناس لا يبالون بالقطيعة، وصارت القطيعة عندهم صلة فلا عبرة بهذا العُرف، لأن هذا عُرف ليس عرفاً إسلامياً، فإن الدول الكافرة الآن لا تتلاءم أُسرها، ولا يعرف بعضهم بعضاً، حتى إن الإنسان إذا شبّ ولده وكبر صار مَثَلُه مثل الرجل الأجنبي الذي لا يعرف أن له أباً، لأنهم لا يعرفون صلة الأرحام، ولا يعرفون حسن الجوار، وكل أمورهم فوضى فاسدة، لأن الكفر دمرهم تدميراً والعياذ بالله، لكن كلامنا عن المجتمع المسلم المحافظ، فما عده الناس صلة فهو صلة، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة.
وفي الحديث حديث أبي هريرة الأول أن الله سبحانه وتعالى تكفل للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع مَن قطعها، وفي هذا حثٌ وترغيب في صلة الرحم، إذا أردتَ أن يصلك الله، وكل إنساك يريد أن يصله ربه فصل رحمك، وإذا أردت أن يقطعك الله، فاقطع رحمك، جزاءً وفاقاً، وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل، كان الله له أوصل، وكلما قصَّر جاءه من الثواب بقدر ما عمل، لا يظلم الله أحداً.
وفي الحديث الثاني : في بيان من أحق الناس بحسن صحبة الإنسان، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن أحق الناس بذلك الأم، فأعاد عليه السؤال فقال: أمك ثم مرة ثانية، فقال أمك، ثلاث مرات، ثم بعد ذلك الأب، لأن الأم حصل عليها من العناء بالنسبة للولد، حصل عليها من العناء والمشقة ما لم يحصل لغيرها، حملته أمه وهنا على وهن، حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وفي الليل تمهده وتهدئه حتى ينام، وإذا أتاه ما يُؤلمه لم تَبِت تلك الليلة حتى ينام. ثم إنها تفديه بنفسها في التدفئة، والتبريد عند الحر وغير ذلك، فهي أشد عناية من الأب بالطفل، ولذلك كان حقها مضاعفاً ثلاث مرات على حق الأب.
ثم إنها أيضاً ضعيفة أنثى لا تأخذ بحقها، فلهذا أوصى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات، والأب مرة واحدة، ففي ذلك الحث على أن يحسن الإنسان صحبة أمه وصحبة أبيه أيضاً بقدر المستطاع، أعاننا الله وإياكم على ذلك.
وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :
في درس الأمس ذكر المؤلف -رحمه الله- ما يتعلق بصلة الأرحام وهم الأقارب ، وبينا أن صلة الأرحام لم يبين في الكتاب والسنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها فيُرجع في ذلك إلى العرف ، إلى ما تعارف الناس أنه صلة ، فإنه يكون واجباً ، وما لم يكن صلة بل قطيعة فإنه يكون قطيعة ، وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- قوله سبحانه: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )) : فبين سبحانه وتعالى أن الذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم ملعونون والعياذ بالله، أي: مطرودون ومبعدون عن رحمة الله، وقد أصمهم الله أي: جعلهم لا يسمعون الحق، ولو سمعوا ما انتفعوا به، وأعمى أبصارهم فلا يرون الحق، ولو رأوه لم ينتفعوا به، فسد عنهم طُرق الخير، لأن السمع والبصر يوصل المعلومات إلى القلب، فإذا انسد الطريق لم يصل إلى القلب خير، والعياذ بالله.
وقد ذكر أهل العلم مِن جملة الصلة النفقة على الأقارب، فقالوا: إن الإنسان إذا كان له أقارب فقراء وهو غني وهو وارث لهم، فإنه يلزمه النفقة عليهم، كالأخ مع أخيه، كالأخ الشقيق مع أخيه الشقيق، إذا كان الأخ هذا يرثه لو مات، فإنه يجب على الوارث أن ينفق على أخيه ما دام غنياً، وأخوه فقيراً عاجزاً عن التكسب، فإن هذا من جملة الصلة.
قالوا أيضاً: ومن جملة الإنفاق أنه إذا احتاج إلى النكاح فإنه يزوجه، لأن إعفاف الإنسان مِن أشد الحاجات، فإذا كان للإنسان أخ شقيق ولا يرثه إلا أخوه، وأخوه غني وهو فقير عاجز عن التكسب، وجب عليه أن ينفق عليه طعاماً وشراباً وكسوة ومسكناً ومركوباً إذا كان يحتاجه، وأن يزوجه أيضاً إذا احتاج إلى النكاح، لأن الإعفاف مِن أشد الحاجات فيدخل في صلة الرحم.
وهذه الأمور يجب على الإنسان إذا كان لا يعلم عنها شيئاً أن يسأل أهل العلم حتى يدلوه على الحق، لقوله تعالى: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )) .
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح ، ووصلنا وإياكم بفضله وإحسانه.
هذان الحديثان في بيان فضل صلة الرحم، والرحم سبق لنا أنهم هم الأقارب، وصلتهم بما جرى به العرف واتبعه الناس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقيده بشيء معين، لم يقيده بأن يأكلوا معك أو يشربوا معك، أو يكتسوا معك أو يسكنوا معك، أطلق، فما جرى به العُرف أنه صلة فهو الصلة، وما قال الناس أنه قطيعة فهو قطيعة، هذا هو الأصل.
نعم لو فُرِض أن الأعراف فسدت وصار الناس لا يبالون بالقطيعة، وصارت القطيعة عندهم صلة فلا عبرة بهذا العُرف، لأن هذا عُرف ليس عرفاً إسلامياً، فإن الدول الكافرة الآن لا تتلاءم أُسرها، ولا يعرف بعضهم بعضاً، حتى إن الإنسان إذا شبّ ولده وكبر صار مَثَلُه مثل الرجل الأجنبي الذي لا يعرف أن له أباً، لأنهم لا يعرفون صلة الأرحام، ولا يعرفون حسن الجوار، وكل أمورهم فوضى فاسدة، لأن الكفر دمرهم تدميراً والعياذ بالله، لكن كلامنا عن المجتمع المسلم المحافظ، فما عده الناس صلة فهو صلة، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة.
وفي الحديث حديث أبي هريرة الأول أن الله سبحانه وتعالى تكفل للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع مَن قطعها، وفي هذا حثٌ وترغيب في صلة الرحم، إذا أردتَ أن يصلك الله، وكل إنساك يريد أن يصله ربه فصل رحمك، وإذا أردت أن يقطعك الله، فاقطع رحمك، جزاءً وفاقاً، وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل، كان الله له أوصل، وكلما قصَّر جاءه من الثواب بقدر ما عمل، لا يظلم الله أحداً.
وفي الحديث الثاني : في بيان من أحق الناس بحسن صحبة الإنسان، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن أحق الناس بذلك الأم، فأعاد عليه السؤال فقال: أمك ثم مرة ثانية، فقال أمك، ثلاث مرات، ثم بعد ذلك الأب، لأن الأم حصل عليها من العناء بالنسبة للولد، حصل عليها من العناء والمشقة ما لم يحصل لغيرها، حملته أمه وهنا على وهن، حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وفي الليل تمهده وتهدئه حتى ينام، وإذا أتاه ما يُؤلمه لم تَبِت تلك الليلة حتى ينام. ثم إنها تفديه بنفسها في التدفئة، والتبريد عند الحر وغير ذلك، فهي أشد عناية من الأب بالطفل، ولذلك كان حقها مضاعفاً ثلاث مرات على حق الأب.
ثم إنها أيضاً ضعيفة أنثى لا تأخذ بحقها، فلهذا أوصى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات، والأب مرة واحدة، ففي ذلك الحث على أن يحسن الإنسان صحبة أمه وصحبة أبيه أيضاً بقدر المستطاع، أعاننا الله وإياكم على ذلك.
وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :
في درس الأمس ذكر المؤلف -رحمه الله- ما يتعلق بصلة الأرحام وهم الأقارب ، وبينا أن صلة الأرحام لم يبين في الكتاب والسنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها فيُرجع في ذلك إلى العرف ، إلى ما تعارف الناس أنه صلة ، فإنه يكون واجباً ، وما لم يكن صلة بل قطيعة فإنه يكون قطيعة ، وذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- قوله سبحانه: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )) : فبين سبحانه وتعالى أن الذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم ملعونون والعياذ بالله، أي: مطرودون ومبعدون عن رحمة الله، وقد أصمهم الله أي: جعلهم لا يسمعون الحق، ولو سمعوا ما انتفعوا به، وأعمى أبصارهم فلا يرون الحق، ولو رأوه لم ينتفعوا به، فسد عنهم طُرق الخير، لأن السمع والبصر يوصل المعلومات إلى القلب، فإذا انسد الطريق لم يصل إلى القلب خير، والعياذ بالله.
وقد ذكر أهل العلم مِن جملة الصلة النفقة على الأقارب، فقالوا: إن الإنسان إذا كان له أقارب فقراء وهو غني وهو وارث لهم، فإنه يلزمه النفقة عليهم، كالأخ مع أخيه، كالأخ الشقيق مع أخيه الشقيق، إذا كان الأخ هذا يرثه لو مات، فإنه يجب على الوارث أن ينفق على أخيه ما دام غنياً، وأخوه فقيراً عاجزاً عن التكسب، فإن هذا من جملة الصلة.
قالوا أيضاً: ومن جملة الإنفاق أنه إذا احتاج إلى النكاح فإنه يزوجه، لأن إعفاف الإنسان مِن أشد الحاجات، فإذا كان للإنسان أخ شقيق ولا يرثه إلا أخوه، وأخوه غني وهو فقير عاجز عن التكسب، وجب عليه أن ينفق عليه طعاماً وشراباً وكسوة ومسكناً ومركوباً إذا كان يحتاجه، وأن يزوجه أيضاً إذا احتاج إلى النكاح، لأن الإعفاف مِن أشد الحاجات فيدخل في صلة الرحم.
وهذه الأمور يجب على الإنسان إذا كان لا يعلم عنها شيئاً أن يسأل أهل العلم حتى يدلوه على الحق، لقوله تعالى: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )) .
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح ، ووصلنا وإياكم بفضله وإحسانه.