شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أبي سفيان رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل أن هرقل قال لأبي سفيان فماذا يأمركم به يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت يقول ( اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ) متفق عليه . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ) وفي رواية ( ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما ) وفي رواية ( فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما ) أو قال ( ذمة وصهرا ) رواه مسلم رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية (( وأنذر عشيرتك الأقربين )) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص وقال ( يا بني عبد شمس يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ) رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم ببلالها هو بفتح الباء الثانية وكسرها والبلال الماء ومعنى الحديث سأصلها شبه قطيعتها بالحرارة تطفأ بالماء وهذه تبرد بالصلة . وعن أبي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول ( إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي إنما وليى الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحم أبلها ببلالها ) متفق عليه واللفظ للبخاري ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف -رحمه الله- كلها تدل على أهمية صلة الرحم، أي : صلة القرابة، وصدَّرها بحديث أبي سفيان صخر بن حرب حين وفد ومعه قوم من قريش على هِرقل، وفد على هِرقل قبل أن يسلم رضي الله عنه، لأنه أسلم في عام الفتح ، بل بعده .
وأما قدومه إلى هرقل، فإنه كان بعد صلح الحديبية، ولما سمع بهم هِرَقل وكان رجلاً عاقلاً، عنده علم من الكتاب، وعنده علم بمبعث النبي صلى الله عليه ووآله وسلم وبما يدعو إليه، لأن صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجودة في التوراة والإنجيل، كما قال تبارك وتعالى: (( النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ )) : مكتوباً بصفته ومعروفاً، حتى إنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لا يشكون فيهم.
فلما قَدِم هؤلاء الجماعة من العرب مِن مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مِن الحجاز، دعاهم يسألهم عن حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعما يأمر به، وعما ينهى عنه، وعن كيفية أصحابه، ومعاملتهم له، إلى غير ذلك مما سألهم عنه، وقد ذكره البخاري مطولاً في صحيحه، وكان من جملة ما سألهم عنه: " ماذا يأمر به؟ قالوا: كان يأمرنا بالصلة، والصدق، والعفاف " .
الصلة: يعني صلة الرحم، والصدق: الخبر الصحيح المطابق للواقع، والعفاف: عن الزنى، وعما في أيدي الناس من الأموال، وكذلك الأعراض.
ثم إنه لما ذكر لهم ما ذكر قال له: " إن كان ما تقول حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين "، يقول ذلك وهو أحد الرئيسين في الدولتين الكبيرتين: الروم والفرس، الروم ملكهم هرقل هذا الذي يناقش أبا سفيان، والفُرس ملكهم كسرى .
هذا الملك ملك الروم قال: " إن كان ما تقول حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين " : يقوله وهو ملك له مملكة كبيرة عظيمة، لكنه يعلم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق، وأنه هو الصواب المطابق للفطرة ولمصالح الخلق، كان يأمر بالصدق والعفاف والصلة : صلة الأرحام.
ثم ذكر المؤلف أحاديث في هذا المعنى، في صلة الأرحام، ومنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أنزل الله عليه : (( أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )) : جمع قريشاً، وعمم وخص ، وقال: يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان يعدهم أفخاذاً أفخاذاً حتى وصل إلى ابنته فاطمة، قال: ( يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئاً ) : وهذا من الصلة.
وبين أن لهم رحماً سيبلها ببلالها، أي : سيبلها بالماء، وذلك لأن قطيعة الرحم نار والماء يُطفئ النار، وقطيعة الرحم موت والماء به الحياة، كما قال تعالى: (( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ )) ، فشبه عليه الصلاة والسلام صلة الرحم بالماء الذي يبل به الشيء.
وكذلك أيضاً من الأحاديث التي ساقها المؤلف -رحمه الله- قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إن آل بني فلان ليسوا بأولياء لي ) : وذلك لأنهم كفار، والواجب على المؤمن أن يتبرأ من ولاية الكافرين، كما قال الله تعالى: (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )) : فتبرأ منهم مع قرابتهم له.
قال: ( غير أن لهم رحم سأبلها ببلالها ) : يعني سأعطيها حقها من الصلة، وإن كانوا كفاراً، وهذا يدل على أن القريب له حق الصلة ولو كان كافراً، لكن ليس له الولاية، لا يوالى ولا يناصر على ما هو عليه من الباطل.
ثم ذكر أيضاً من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر الصحابة بأنهم سيفتحون مصر، وأوصى بأهلها خيراً، وقال: ( إن لهم رحماً وصهراً ) : وذلك أن سارَّة أم إسماعيل سُرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كانت من مصر، ولهذا قال: ( إن لهم صهراً ورحماً )، لأنهم هم أخوال إسماعيل، وإسماعيل هو أبو العرب المستعربة كلها.
فدل ذلك على أن الرحم لها صلة ولو كانت بعيدة. ما دام يُعرف أن هؤلاء من قبيلته فلهم الصلة ولو كانوا بعداء.
ودل أيضاً على أن صلة القرابة من جهة الأم كصلة القرابة من جهة الأب، والله الموفق.
هذه الأحاديث التي ساقها المؤلف -رحمه الله- كلها تدل على أهمية صلة الرحم، أي : صلة القرابة، وصدَّرها بحديث أبي سفيان صخر بن حرب حين وفد ومعه قوم من قريش على هِرقل، وفد على هِرقل قبل أن يسلم رضي الله عنه، لأنه أسلم في عام الفتح ، بل بعده .
وأما قدومه إلى هرقل، فإنه كان بعد صلح الحديبية، ولما سمع بهم هِرَقل وكان رجلاً عاقلاً، عنده علم من الكتاب، وعنده علم بمبعث النبي صلى الله عليه ووآله وسلم وبما يدعو إليه، لأن صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجودة في التوراة والإنجيل، كما قال تبارك وتعالى: (( النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ )) : مكتوباً بصفته ومعروفاً، حتى إنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لا يشكون فيهم.
فلما قَدِم هؤلاء الجماعة من العرب مِن مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مِن الحجاز، دعاهم يسألهم عن حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعما يأمر به، وعما ينهى عنه، وعن كيفية أصحابه، ومعاملتهم له، إلى غير ذلك مما سألهم عنه، وقد ذكره البخاري مطولاً في صحيحه، وكان من جملة ما سألهم عنه: " ماذا يأمر به؟ قالوا: كان يأمرنا بالصلة، والصدق، والعفاف " .
الصلة: يعني صلة الرحم، والصدق: الخبر الصحيح المطابق للواقع، والعفاف: عن الزنى، وعما في أيدي الناس من الأموال، وكذلك الأعراض.
ثم إنه لما ذكر لهم ما ذكر قال له: " إن كان ما تقول حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين "، يقول ذلك وهو أحد الرئيسين في الدولتين الكبيرتين: الروم والفرس، الروم ملكهم هرقل هذا الذي يناقش أبا سفيان، والفُرس ملكهم كسرى .
هذا الملك ملك الروم قال: " إن كان ما تقول حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين " : يقوله وهو ملك له مملكة كبيرة عظيمة، لكنه يعلم أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق، وأنه هو الصواب المطابق للفطرة ولمصالح الخلق، كان يأمر بالصدق والعفاف والصلة : صلة الأرحام.
ثم ذكر المؤلف أحاديث في هذا المعنى، في صلة الأرحام، ومنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أنزل الله عليه : (( أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )) : جمع قريشاً، وعمم وخص ، وقال: يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان يعدهم أفخاذاً أفخاذاً حتى وصل إلى ابنته فاطمة، قال: ( يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئاً ) : وهذا من الصلة.
وبين أن لهم رحماً سيبلها ببلالها، أي : سيبلها بالماء، وذلك لأن قطيعة الرحم نار والماء يُطفئ النار، وقطيعة الرحم موت والماء به الحياة، كما قال تعالى: (( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ )) ، فشبه عليه الصلاة والسلام صلة الرحم بالماء الذي يبل به الشيء.
وكذلك أيضاً من الأحاديث التي ساقها المؤلف -رحمه الله- قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إن آل بني فلان ليسوا بأولياء لي ) : وذلك لأنهم كفار، والواجب على المؤمن أن يتبرأ من ولاية الكافرين، كما قال الله تعالى: (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )) : فتبرأ منهم مع قرابتهم له.
قال: ( غير أن لهم رحم سأبلها ببلالها ) : يعني سأعطيها حقها من الصلة، وإن كانوا كفاراً، وهذا يدل على أن القريب له حق الصلة ولو كان كافراً، لكن ليس له الولاية، لا يوالى ولا يناصر على ما هو عليه من الباطل.
ثم ذكر أيضاً من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر الصحابة بأنهم سيفتحون مصر، وأوصى بأهلها خيراً، وقال: ( إن لهم رحماً وصهراً ) : وذلك أن سارَّة أم إسماعيل سُرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كانت من مصر، ولهذا قال: ( إن لهم صهراً ورحماً )، لأنهم هم أخوال إسماعيل، وإسماعيل هو أبو العرب المستعربة كلها.
فدل ذلك على أن الرحم لها صلة ولو كانت بعيدة. ما دام يُعرف أن هؤلاء من قبيلته فلهم الصلة ولو كانوا بعداء.
ودل أيضاً على أن صلة القرابة من جهة الأم كصلة القرابة من جهة الأب، والله الموفق.