شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما فقال ( نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما ) رواه أبو داود . وعن عائشة رضي الله عنها قالت ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها وما رأيتها قط ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة فيقول إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد متفق عليه وفي رواية وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن وفي رواية كان إذا ذبح الشاة يقول ( أرسلوا بها إلى أصدقاء ) خديجة وفي رواية قالت استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك ( فقال اللهم هالة بنت خويلد ) ... " . حفظ
الشيخ : كذلك أيضاً إكرام صديقهما مثل حديث عبد الله بن عمر السابق، يعني إن كان لهما صديق فأكرمه، فإن هذا مِن بره.
والخامس: صلة الرحم التي لا صلة لك إلا بهما، يعني صلة أقارب الوالدين فإن ذلك من برهما، فهذه الأشياء تكون براً بعد موت الوالدين.
أظن الصدقة غير موجودة ، ها ما فيها صدقة ؟!
وإنفاذ عهدهما، الخامس: انفاذ عهدهما، أما الصدقة فجاءت في حديث آخر: ( حين سأل سعد بن عبادة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق على أمه فأذن له ) ، لكن الرسول لم يرشد إلى الصدقة للوالدين وإنما أذن فيها من استفتاه فقط.
( إنفاذ عهدهما ) : يعني إنفاذ وصيتهما.
فهذه خمسة أشياء: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك إلا بهما، هذه من بر الوالدين.
أما الصدقة لهما، أو قراءة القرآن لهما، أو الصلاة يصلي ركعتين ويقول لوالدي ، فهذا لم يأمر به النبي عليه الصلاة والسلام ولا أرشد إليه، بل قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) ، ما قال: صالح يتصدق له، يصلي له، يصوم له، يحج له، يعتمر له، أبداً ما قال هذا ، قال: ( يدعو له ) ، فالدعاء خير من العمل الصالح للوالدين.
لكن لو فعل الإنسان ونوى بهذا العمل لوالديه فإن ذلك لا بأس به، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنع سعد بن عبادة، ولا الرجل الذي قال: يا رسول الله، إن أمي افتُلتت نفسها، ولو تكلمت لتصدقت.
فهذه خمسة أشياء من بر الوالدين بعد موتهما.
ثم ذكر المؤلف حديث عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ( ما غِرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرت على خديجة ) : الغيرة : انفعال يكون في الإنسان يجب أن يختص صاحبه به دون غيره، ولهذا سميت غيرة ، لأنه يكره أن يكون الغير حبيباً لحبيبه، والنساء الضرات هن أشد بني آدم غَيرة.
عائشة رضي الله عنها كانت حبيبةَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يحب أحداً مثلها في حياته بعد خديجة، وكان يحب خديجة عليه الصلاة والسلام، لأنها أم أولاده إلا إبراهيم فمن مارية، ولأنها وازرته وساعدته في أول البعثة، وواسته في مالها، فلذلك كان لا ينساها.
كان في المدينة إذا ذبح شاة أخذ مِن لحمها وأهداه على صديقاتها، على صديقات خديجة، ولم تصبر عائشة رضي الله عنها على ذلك، قالت: ( يا رسول الله، كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة ) .
قال: ( إنها كانت وكانت ) ، يعني كانت تفعل كذا، وتفعل كذا، وذكر من خصالها رضي الله عنها.
( وكان لي منها ولد ) : يعني أولاد، كل أولاده أربع بنات وثلاثة أولاد كلهم منها إلا ولداً واحداً هو إبراهيم رضي الله عنه، فإنه كان من مارية القبطية التي أهداها إليه ملك القبط، فأولاده كلهم من خديجة، فلذلك قال: ( إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد ).
الشاهد من هذا الحديث: أن إكرام صديق الإنسان بعد موته يُعتبر إكراماً له، وبراً به، سواء كان من الوالدين، أو من الأزواج، أو من الأصدقاء، أو من الأقارب، فإن إكرام الصديق، صديق الميت، يعتبر إكراماً له، والله الموفق.