شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب علامات حب الله تعالى للعبد والحث على التخلق بها والسعي في تحصيلها . قال الله تعالى (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) وقال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه رواه البخاري . وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله تعالى يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) متفق عليه . وفي رواية لمسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض ) . وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب (( قل هو الله أحد )) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( سلوه لأي شيء يصنع ذلك ) فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخبروه أن الله تعالى يحبه ) متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب علامات حب الله عز وجل " : يعني علامة أن الله تعالى يحب العبد، لأن لكل شيء علامة، ومحبة الله للعبد لها علامة، منها :
كون الإنسان متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه كلما كان الإنسان للرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتبع، كان لله أطوع، وكان أحب إلى الله تعالى.
واستشهد المؤلف -رحمه الله- لذلك بقوله تعالى: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )) : يعني إن كنتم صادقين في أنكم تحبون الله فأروني علامة، اتبعوني يحببكم الله.
وهذه الآية تسمى عند السلف : " آيةَ الامتحان " ، يُمتحن بها من ادعى محبة الله، فيُنظر إذا كان يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام فهذا دليل على صدق دعواه.
وإذا أحب اللهَ أحبه اللهُ عز وجل، ولهذا قال: (( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )) : وهذه ثمرة جليلة، أن الله تعالى يحبك، لأن الله إذا أحبك نلت بذلك سعادة الدنيا والآخرة.
ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( مَن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ): مَن عادى لي ولياً: أي صار عدوا لولي من أوليائي، فإنني أعلن عليه الحرب، يكون حرباً لله، الذي يكون عدواً لأحد من أولياء الله فهو حرب لله -والعياذ بالله- مثل أكل الربا (( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ )).
ولكن من هو ولي الله؟ ولي الله سبحانه وتعالى بينه الله في قوله: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))،
هؤلاء هم أولياء الله، فمن كان مؤمناً تقياً، كان لله ولياً، هذه هي الولاية، وليست الولاية أن يَخشوشن الإنسان في لباسه، أو أن يترهبن أمام الناس، أو أن يُطيل كمه، أو أن يخنع رأسه، لا، الولاية الإيمان والتقوى : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )) ، فمن عادى هؤلاء فإنه حرب لله والعياذ بالله، حرب.
ثم قال الله عز وجل في الحديث القدسي: ( وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلى مما افترضه عليه ) : يعني أحب ما يحب الله الفرائض، فالظهر أحب إلى الله من راتبة الظهر، والمغرب أحب إلى الله من راتبة المغرب، والعشاء أحب إلى الله من راتبة العشاء، والفجر أحب إلى الله من راتبة الفجر، والصلوات المفروضة أحب إلى الله من قيام الليل، كل الفرائض أحب إلى الله من النوافل، والزكاة أحب إلى الله من الصدقة، وحج الفريضة أحب إلى الله من حج التطوع، كل ما كان أوجب فهو أحب إلى الله عز وجل.
( ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَ بالنوافل حتى أحبه ) : وفي هذا إشارة إلى أن من أسباب محبة الله أن تكثر من النوافل، من التطوع: نوافل الصلاة، نوافل الصدقة، نوافل الصوم، نوافل الحج، وغير ذلك من النوافل.
فلا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه الله، ( فإذا أحبه الله، كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سأله ليعطينه، ولئن استعاذه ليعيذنه ) .
( كنت سمعه ) : يعني أنني أسدده في سمعه، فلا يسمع إلا ما يرضي الله، ( وبصره ) : أسدده في بصره فلا يبصر إلا ما يحب الله، ( ويده التي يبطش بها ) : فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله ، ( ورجله التي يمشي بها ) : فلا يمشي برجله إلا لما يرضي الله عز وجل، فيكون مسدداً في أقواله وفي أفعاله.
( ولئن سألني لأعطينه ) : هذه من ثمرات النوافل ومحبة الله عز وجل أنه إذا سأل الله أعطاه، ( ولئن استعاذني ) : يعني استجار بي مما يخاف من شره، ( لأعيذنه ) ، فهذه من علامة محبة الله، أن يسدد الإنسان في أقواله وأفعاله، فإذا سُدِّد دل ذلك على أن الله يحبه، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم )) .
وذكر أيضاً أحاديث أخرى في بيان محبة الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى إذا أحب شخصاً نادى جبريل، جبريل أشرف الملائكة، كما أن محمداً أشرف البشر ، ( نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض ) فيحبه أهل الأرض.
وإذا أبغض الله أحداً والعياذ بالله : ( نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغضاء في الأرض ) ، والعياذ بالله، فيبغضه أهل الأرض، وهذا أيضاً من علامات محبة الله، أن يوضع للإنسان القبول في الأرض، يعني يكون مقبولاً لدى الناس، محبوباً إليهم، فإن هذا من علامات محبة الله سبحانه وتعالى للعبد.
نسأل الله أن يجعلنا أن يجعلنا وإياكم من أحبابه وأوليائه.