شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة رواه البخاري ... " . باب الخوف . قال الله تعالى : قال الله تعالى : (( وإياي فارهبون )) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
ثم قال المؤلف فيما نقله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، مِن رواية عبد الله بن عتبة بن مسعود، عَمه عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إنا نعلم يعني عمن أسر سريرة باطلة في وقت الوحي بما بنزل من الوحي، لأن أناساً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا منافقين، يظهرون الخير ويبطنون الشر، ولكن الله تعالى يفضحهم بما ينزل من الوحي على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، يفضحهم لا بأسمائهم، ولكن بأوصافهم التي تحدد أعيانهم.
والحكمة من ذكرهم بالأوصاف دون الأعيان، أن ذلك يكون للعموم، يعني لكل من اتصف بهذه الصفات، مثل (( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُم نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ )) .
ومثل : (( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ )) .
ومنه : (( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ )) .
وهذا كثير في التوبة ، في سورة التوبة التي سماها بعض السلف: " الفاضحة، لأنها فضحت المنافقين ".
لكن لما انقطع الوحي صار الناس لا يعلمون عن المنافق، لأن النفاق في القلب والعياذ بالله.
يقول رضي الله عنه: " من أظهر لنا خيراً أخذناه بما أطهر لنا، وإن أسر سريرة، يعني سيئة، ومن أظهر لنا شراً، فإننا نأخذ بشره ولو أضمر ضميرةً طيبة، لأننا نحن لا نكلف إلا بالظاهر " ، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى علينا ألا نحكم إلا بالظاهر، لأن الحكم على الباطن من الأمور الشاقة، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، فمن أبدى خيراً عاملناه بخيره الذي أبداه لنا، ومن أبدى شراً، عاملناه بشره الذي أبداه لنا، وليس لنا من نيته مسؤولية، النية موكولة إلى رب العالمين عز وجل، الذي يعلم ما توسوس به نفس الإنسان .
ثم قال المؤلف -رحمه الله- : " باب الخوف " : الخوف ممن؟ الخوف من الله عز وجل، لأن الذي يعبد الله يجب أن يكون خائفاً راجياً، إن نظر إلى ذنوبه وكثرة أعماله السيئة، خاف، إن نظر إلى أعماله الصالحة وأنه قد يشوبها شيء من العُجب والإدلال على الله، خاف، إن رأى إلى أعماله الصالحة وأنه قد ينالها شيء من الرياء، خاف، فهو يخاف وإن نظر إلى عفو الله ومغفرته، وكرمه، وحلمه ورحمته، رجا، فيكون دائراً بين الخوف والرجاء.
قال الله تعالى: (( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا )) : يعني: يعطون ما أعطوا من الأعمال الصالحة، (( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) : خائفة ألا تقبل منهم ، (( أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )) .
فينبغي بل يجب أن يكون سير الإنسان إلى الله عز وجل دائراً بين الخوف والرجاء، ولكن أيهما يُغلب؟ هل يُغلب الرجاء؟ أو يغلب الخوف؟ أو يجعلهما سواءً؟
قال الإمام أحمد رحمه الله: " ينبغي أن يكون خوفه ورجاءه واحداً " ، فأيهما غلب هلك صاحبه، لأنه إن غلب جانب الرجاء، صار من الآمنين من عذاب الله، وإن غلَّب جانب الخوف، صار من القانطين من رحمة الله، وكلاهما سيء، فينبغي أن يكون خوفه ورجاءه واحداً.
وقال بعض العلماء إن كان في الصحة :