شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه وهو ممن شهد بدرا قال: كنت أصلي لقومي بني سالم وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشق على اجتيازه قبل مسجدهم فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له إني أنكرت بصري وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه فوددت أنك تأتي فتصلي في بيتي مكانا أتخذه مصلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سأفعل ) فغدا رسول الله وأبو بكر رضي الله عنه بعد ما اشتد النهار واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى قال ( أين تحب أن أصلي من بيتك ) فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر وصففنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم فحبسته على خزيرة تصنع له فسمع أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت فقال رجل ما فعل مالك لا أراه فقال رجل ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تقل ذلك ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى ) فقال الله ورسوله أعلم أما نحن فوالله ما نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) متفق عليه . وعتبان بكسر العين المهملة وإسكان التاء المثناة فوق وبعدها باء موحدة والخزيرة بالخاء المعجمة والزاي هي دقيق يطبخ بشحم وقوله ثاب رجال بالثاء المثلثة أي جاءوا واجتمعوا . حفظ
الشيخ : قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن عتبان بن مالك رضي الله عنه، وكان يؤم قومه بني سالم، وكان بينه أي بين بيته وبين قومه وادٍ يعني : شعيب يجري فيه السيل، فإذا جاء السيل، شق عليه عبوره.
وأضف إلى ذلك أن بصره ضَعُف، فصار يشق عليه مرتين، من جهة المشي، ومن جهة البصر والنظر.
فجاء فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وطلب منه أن يأتيَ إلى بيته ليصليَ في مكان من البيت، يتخذه مصلى، يعني : يتخذه عتبان مصلى يصلي فيه، وإن لم يكن مسجداً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: سأفعل، ثم خرج هو وأبو بكر رضي الله عنه حين اشتد النهار، وكان أبو بكر رفيقه حَضَراً وسفراً، لم يفارقه، كثيراً ما يكون معه، وكثيراً ما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( جئت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر، رجعت أنا وأبو بكر وعمر ) .
فهما صاحباه ووزيراه رضي الله عنهما، صاحباه في الدنيا، وصاحباه في البرزخ، وقريناه يوم القيامة، يقومون هؤلاء الثلاثة، يقومون لله رب العالمين من مكان واحد، من البيت الذي دفن فيه الرسول عليه والصلاة والسلام، والذي كان الآن في قرارة المسجد النبوي.
شوف الحكمة: اختار الله عز وجل أن يكون البيت داخل المسجد، أن يكون البيت الذي دُفن فيه الرسول داخل المسجد، ليقوم هؤلاء الثلاثة يوم القيامة من وسط المسجد، مسجد النبي عليه والصلاة والسلام.
وعلى هذا لا تَكره شيئاً اختاره الله، قد يختار الله شيئاً فيه مصلحة عظيمة لا تدري عنها أنت، كره الناس أن يكون بيت الرسول عليه الصلاة والسلام الذي دفن فيه في وسط المسجد، وقالوا: هذا شبهة لعباد القبور الذين يبنون المساجد على المقابر.
ولكن ليس فيه شبهة، لأن المسجد لم يبن على القبر، وإنما امتد المسجد وبقي القبر في البيت مستقلاً عن المسجد، ليس فيه حجة لأي إنسان إلا رجلاً مبطلاً، يقول كما قال إبليس: (( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )) ، لكن انظر الحكمة، أن يكون خروجهم يوم القيامة من مكان واحد، من جوف المسجد النبوي، سبحان الله العظيم !! حكمة تغيب عن كثير من الناس.
المهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج حين اشتدَّ النهار، يعني : حين ارتفعت الشمس إلى دار بني مالك، وقدم دخل استأذن، فأُذن له، فدخل ولم يجلس، بل قال: أين تريد أن أصلي، لأنه جاء لغرض، فأحب أن يبدأ بالغرض الذي جاء من أجله قبل كل شيء، وهذا من الحكمة، أنك إذا أردت شيئاً لا تعرج على غيره حتى تنتهي منه، في أي شيء، لأجل أن تضبط الوقت ويبارك لك فيه.
كثير من الناس تضيع عليه الأوقات بسبب أنه يتلقف الأشياء. وأضرب لهذا مثلاً: أفرض أنك تريد أن تراجع مسألة من مسائل العلم في كتاب من الكتب، تقرأ الفهرس، لأجل تعرف أين مكان هذه المسألة، ثم تمر بك مسألة فتقول : أبي أطلع على هذه، ثم تطالع الأخرى، ويفوتك المقصود الذي من أجله راجعت هذا الكتاب ، لكن ابدأ أولاً بما أردت قبل كل شيء، ثم بعد ذلك ما زاد فهو فضل.
فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمكان، وصلوا معه جماعة، لأن هذه جماعة عارضة لا دائمة، ثم لما فرغ مِن صلاته، إذا هو قد أعد له طعاماً زهيداً، فسمع أهل الدار.
الدار : هي ما نسميه عندنا بالحي والحارة، سمع أهل الدار بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند عتبان بن مالك، فثاب إليه أناس، يعني : اجتمعوا يريدون أن يهتدوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويسمعوا من قوله، ويأخذوا من سنته، فاجتمعوا فقالوا: أين فلان، قالوا: ذاك منافق ذاك منافق.
فأنكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على من قال ذلك وقال: ( أما ترى أو أما تعلم أنه يقول : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) .
فقال الرجل: الله ورسوله أعلم، لأن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، فهو مؤمن ما هو منافق، المنافق يقولها رياء وسمعة، لا تدخل قلبه والعياذ بالله، أما من قالها يبتغي بها وجه الله فإنه مؤمن بها، مصدق، تدخل قلبه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله ) ، فكل من قالها يبتغي بها وجه الله، فإن الله يحرمه على النار، لماذا؟ لأنه إذا قالها يبتغي بها وجه الله، فإنه سيقوم بمقتضاها، ويعمل بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة، من أداء الواجب، وترك المحرم، والإنسان إذا أدى الواجب وترك المحرم، أحل الحلال، وحرم الحرام، وقام بالفرائض، واجتنب النواهي، فإن هذا من أهل الجنة، يدخل الجنة ويحرم الله عليه النار.
وليس في هذا الحديث دليل على أن تارك الصلاة لا يكفر، لأننا نعلم علم اليقين، مثل الشمس، أن من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله لا يمكن أن يترك الصلاة. مستحيل هذا، فالذي يقول: أنا أقول: لا إله إلا الله أبتغي بذلك وجه الله، وهو لا يصلي، فهو أكذب الكاذبين، أو من أكذب الكاذبين، لو كان يبتغي وجه الله ما ترك الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.