فوائد حديث : ( عتبان بن مالك رضي الله عنه وهو ممن شهد بدرا قال: كنت أصلي لقومي بني سالم وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار ... ) ... " . حفظ
الشيخ : وفي هذا الحديث دليل فوائد :
منها: أن من كانت حاله مثل حال عِتبان بن مالك، فإنه معذور بترك الجماعة وله أن يصلي في بيته، مثل أن يحول بينه وبين المسجد وادٍ لا يستطيع العبور معه، فإنه معذور.
ومنها: جواز قول الإنسان سأفعل في المستقبل، إذا قال تأتينا غداً، قال: سآتيك، وإن لم يقل إن شاء الله. فإن قال قائل: ما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى: (( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )) : لشيء: عام سواء من فعل الله أو من فعلك؟ (( إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )) ؟
قلنا: إن الذي يقول سآتيك غداً له نيتان:
النية الأولى: أن يقول هذا جازماً بالفعل، فهذا لا يقوله إلا أن يقول: إن شاء الله، لأنه لا يدري أيأتي عليه الغد أو لا، ولا يدري هل إذا أتى عليه الغد أن يكون قادراً على الإتيان إليه أو لا، أو لا يدري إذا كان قادراً، هل يحول بينه وبينه مانع أو لا.
أما إذا قال: سأفعل، يريد أن يخبر عما في قلبه من الجزم دون أن يقصد الفعل، فهذا لا بأس به، لأنه يتكلم عن شيء حاضر، يتكلم عن شيء حاضر، مثل: لو قيل لك: هل ستسافر إلى مكة؟ قلت: نعم سأسافر، تريد أن تخبر عما في قلبك من الجزم، هذا شيء حاضر حاصل، أما إن أردت الفعل، أنك ستفعل يعني سيقع منك هذا فهذا لا تقل إلا مقروناً بمشيئة الله.
وتأتي فوائد الحديث إن شاء الله فيما بعد .
بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق الكلام على هذا الحديث، على بعضه فنذكر الآن من فوائده ما تيسر:
ومنها: أن الإنسان يُعذر بترك الجماعة فيما إذا كان بينه وبين المسجد ما يشق عليه من وَحَل أو ماء أو غيره، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( أنه كان ينادي مناديه في الليلة المطيرة أن صلوا في رحالكم ) : يعني في أماكنكم، وذلك من أجل أن لا يشق على الناس، فأما إذا كان ماء بلا مشقة وبلا دحر ووحل فإنه لا يعذر الإنسان بترك الجماعة.
ومنها أي من فوائد حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه: أن المصلى الذي يكون في البيت لا يكون له حكم المسجد، فلو أن الإنسان اتخذ مصلى في بيته لا يصلي إلا فيه فليس بمسجد، سواء حجره أو لم يحجره.
وعلى هذا فلا يثبت له أحكام المسجد، فيجوز للإنسان أن يبقى فيه وهو جُنُب، وإذا جلس فيه لا يلزمه تحية المسجد، وكل أحكام المساجد لا تثبت له، وإذا أراد أن يعتكف فيه، لم يصح اعتكافه، حتى لو كانت امرأة ولها مسجد في بيتها، فإنها لا تعتكف فيه.
ومن فوائد حديثه رضي الله عنه: أنه يجوز أن تقام الجماعة في النوافل، لكن لا دائماً بل أحياناً، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراه عِتبان المكان الذي يصلي فيه، تقدم وصلى بهم ركعتين وصلوا خلفه، فإذا صلى الإنسان الراتبة مثلاً أو سنة الضحى، إذا صلاها جماعة، فلا بأس بذلك أحياناً.
وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم : " أنه صلى معه ابن عباس صلاة الليل، وصلى معه ابن مسعود، وصلى معه حذيفة، لكن ليس دائماً ". فصلاة الجماعة نفلا أحياناً لا بأس بها.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا بأس أن يتخذ الإنسان مصلى يعتاد الصلاة فيه في بيته، ولا يقال هذا إن هذا مثل اتخاذ مكان معين في المسجد لا يصلي إلا فيه، فإن هذا منهي عنه، يعني يُنهى الإنسان أن يتخذ في المسجد مكاناً لا يصلي إلا فيه، مثل لا يصلي النافلة، لا تحية المسجد ولا غيرها إلا فيه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن استيطان كاستيطان البعير، يعني عن اتخاذ موطن كأعطان الإبل، تأوي إليه وتبيت فيه.
ومنها: أنه يجب على الإنسان أن يحبس لسانه عن الكلام في الناس، بنفاق، أو كفر أو فسق، إلا ما دعت الحاجة إليه، فإنه لابد أن يبينه، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال رجل عن مالك: إنه منافق، قال: ( لا تقل هكذا أما علمت أنه قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله؟ ) .
لكن هذا متى يحصل أن يشهد الرسول عليه الصلاة والسلام لرجل بالإخلاص ؟ هو ليس بحاصل بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما ليس لنا إلا الظاهر، فمن ظهر لنا من حاله الصلاح، وجب علينا أن نحكم له بالصلاح، وألا نغتابه ولا نسبه.
ومن فوائد هذا الحديث: محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والجلوس إليه، لأنهم لما علموا أنه عند عِتبان بن مالك ثابوا إليه، واجتمعوا عنده، ليتعلموا منه، وينالهم من بركة علمه عليه الصلاة والسلام.
ومنها: ما سبق أن أشرنا إليه أن الإنسان ينبغي أن يبدأ بالشغل الذي يريد قبل كل شيء، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى في المكان قبل أن يجلس، وقبل أن يتخذ ما صُنع له من الطعام.
ومن فوائده أيضاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان على جانب كبير من التواضع، لأنه لما انتهى من الصلاة، يقول عتبان: " حبسته على خزيرة " الخزيرة نوع من الطعام ليس بذاك الجيد. حبسه: يعني قال له انتظر حتى ينتهي الطعام، ويقدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لا شك أن فيه تواضعاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها: وهي من أكبر فوائد هذا الحديث. أنَّ من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، فإن الله يحرم عليه النار ، ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) : يعني يطلب وجه الله.
ومعلوم أن الذي يقول هذا طالباً وجه الله، فسيفعل كل شيء يقربه إلى الله، من فروض ونوافل، فلا يكون في هذا دليل للكسالى والمهملين، يقولون: نحن نقول: لا إله إلا الله نبتغي بذلك وجه الله، نقول: لو كنتم صادقين ما أهملتم العبادات الواجبة عليكم، والله الموفق.