شرح ما تقدم قراءته من أحاديث وآيات الباب . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب الجمع بين الخوف والرجاء، وتغليب الرجاء في حال المرض " :
هذا الباب قد اختلف فيه العلماء هل الإنسان يغلّب جانب الرّجاء أو جانب الخوف؟
فمنهم من قال يغلّب جانب الرّجاء مطلقا.
ومنهم من قال يغلب جانب الخوف مطلقا.
ومنهم من قال ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدا لا يغلب هذا على هذا ولا هذا على هذا، لأنه إن غلَّب جانب الرجاء أمِن مكر الله، وإن غلب جانب الخوف، يئس من رحمة الله.
وقال بعضهم: في حال الصّحّة يجعل خوفه ورجاؤه واحدا كما اختاره النووي رحمه الله في هذا الكتاب، وفي حال المرض يغلب الرجاء أو يمحّضه.
وقال بعض العلماء أيضا إذا كان في فعل الطاعة فليغلّب الرجاء وأن الله قبل منه، وإذا كان عند فعل المعصية فليغلّب الخوف لئلاّ يُقدم على المعصية. والإنسان ينبغي أن يكون طبيب نفسه، إذا رأى من نفسه أنّه آمن من مكر الله، أي أنه مقيم على معصية الله، متمنّيا على الله الأماني، فليعدل عن هذه الطريق، وليسلك طريق الخوف، وإذا رأى أن فيه وسوسة وأنه يخاف بلا موجب، فليعدل عن هذا الطريق وليغلّب جانب الرّجاء، حتى يعتدل خوفه ورجاؤه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله آيات جمع الله فيها بين ذكر ما يوجب الخوف وذكر ما يوجب الرجاء، ذكر فيها أهل الجنّة وأهل النار، وذكر فيها صفته عزّ وجلّ أنه شديد العقاب وأنه غفور رحيم، وتأمل قوله تعالى : (( اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم * ما على الرسول إلا البلاغ )) : حيث إنه في مقام التهديد والوعيد قدّم ذكر شدّة العقاب : (( اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم ))، وفي حال تحدّثه عن نفسه وبيان كمال صفاته قال: (( نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم )) : فقدّم ذكر المغفرة على ذكر العذاب، لأنه يتحدّث عن نفسه عزّ وجلّ وعن صفاته الكاملة، ورحمته سبقت غضبه.
ثم ذكر المؤلف أحاديث في هذا المعنى تدلّ على أنه يجب على الإنسان أن يجمع بين الخوف والرجاء، مثل قول النبي عليه الصّلاة والسلام: ( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقاب ما طمع في جنّته أحد ) ، والمراد لو يعلم علم حقيقة، وعلم كيفية، لا أن المراد لو يعلم علم نظر وخبر، فإن المؤمن يعلم أن ما عند الله من العذاب لأهل الكفر والضّلال، لكن حقيقة هذا لا تُدرك الآن، لا يُدركها إلا من وقع في ذلك، أعاذنا الله وإياكم من عذابه.
( ولو يعلم الكافر ما عند الله ) يعني : من الرحمة والمغفرة ، ( ما خاف من النار أحد ) : والمراد حقيقة ذلك، وإلاّ فإن الكافر يعلم أن الله غفور رحيم، ويعلم معنى المغفرة ويعلم معنى الرحمة.
وذكر المؤلف أحاديث في معنى ذلك مثل قوله: ( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك ) : شراك النّعل : يُضرب به المثل في القرب لأن الإنسان لابس لنعله، فالجنّة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، لأنّها ربّما تحصل للإنسان بكلمة واحدة، والنار مثل ذلك، ربّما تحدث النار بسبب كلمة يقولها القائل، مثل الرجل الذي كان يمرّ على صاحب المعصية فينهاه ويزجره فلما تعب قال: ( والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله تعالى: مَن ذا الذي يتألّ عليّ أن لا أغفر لفلان، قد غفرت لك وأحبطت عملك، قال أبو هريرة: تكلّم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته ) ، نعوذ بالله، فالواجب على الإنسان أن يكون طبيب نفسه في كونه يغلّب الخوف أو الرجاء، إن رأى نفسه تميل إلى الرجاء وإلى التهاون بالواجبات، وإلى انتهاك المحرّمات استنادا لمغفرة الله ورحمته، فليعدل عن هذه الطريق.
وإن رأى أنّ عنده وسواساً وأن الله لا يقبل منه، فإنه يعدل عن هذا الطريق، والإنسان الموفّق هو الذي يكون طبيب نفسه في حال الصّحّة وفي حال المرض، والله الموفّق.