تتمة شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب " ... وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائما فقال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلى بردة إن غطى بها رأسه بدت رجلاه وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا . ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . رواه البخاري ... " . حفظ
الشيخ : وكان مصعب رجلاً شاباً، كان عند والديه في مكة، وكان والداه أغنياء، أمه وأبوه يلبسانه من خير اللباس، لباس الشباب والفتيان، وقد دلّلاه دلالاً عظيماً فلما أسلم هجراه وأبعداه، وهاجر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فكان مع المهاجرين، وكان عليه ثوبٌ مرقَّع، بدل ما كان في مكّة عند أبويه يلبس أحسن الثّياب، لكنه ترك ذلك كلّه مُهاجراً إلى الله ورسوله وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلّم الراية يوم أحد، فاستشهد رضي الله عنه، وكان معه بُردة: ثوب، إذا غطّوا به رأسه بدت رجلاه قصير، وإن غطوا رجليه بدا رأسه، ( فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن يستر به رأسه، وأن تستر رجلاه بالإذخر ) : نبات معروف، فكان عبد الرحمن بن عوف يذكر حال هذا الرجل ثم يقول: " إنهم قد مضوا وسلموا مما فتح الله به من الدنيا على من بعدهم من المغانم الكثيرة " : كما قال تعالى: (( ومغانم كثيرة يأخذونها )) وقال رضي الله عنه عبد الرحمن : " أخشى أن تكون قد عجّلت لنا حسناتنا " ، لأن الكافر يُجزى على حسناته في الدّنيا وله في الآخرة عذاب النار، والمؤمن قد يُجزى في الدّنيا والآخرة ولكن جزاء الآخرة هو الأهم، فخشي رضي الله عنه أن تكون حسناتهم عجّلت لهم في هذه الدّنيا فبكى خوفا وفَرقًا، ثم ترك الطعام رضي الله عنه، ففي هذا دليل على البكاء مِن خشية الله ومخافة عقابه، والله الموفّق.