شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب . حفظ
الشيخ : تقديم هذه الأحاديث في بيان الوعيد على من سأل الناس أموالهم بغير ضرورة، ففي حديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قال : ( من سأل الناس أموالهم تكثّراً فإنّما يسأل جمراً فليستقلّ أو ليستكثر ) : يعني من سأل الناس أموالهم ليكثر بها ماله، فإنما يسأل جمرا فليستقلّ أو ليستكثر، إن استكثر زاد الجمر عليه، وإن استقلّ قل الجمر عليه، وإن ترك سلم من الجمر، ففي هذا دليل على أنّ سؤال الناس بلا حاجة من كبائر الذنوب، ثمّ ذكر أحاديث منها: أن مَن أنزل حاجته بالناس وفاقته بالناس، فإنها لا تقضى حاجته، لأن : ( من تعلّق شيئا وُكل إليه ) ، ومن وكل إلى الناس فإنه خائب لا تقضى حاجته، ويستمرّ دائما يسأل ولا يشبع، ومن أنزلها بالله عزّ وجلّ واعتمد على الله وتوكّل عليه وفعل الأسباب التي أُمر بها، فإنه يوشك أن تقضى حاجته، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (( ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره )) .
وذكر حديث قبيصة : أنه جاء يسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم في حمالة تحمّلها، فأمره أن يقيم عنده حتى تأتيه الصدقة فيأمر له بها، وذكر صلّى الله عليه وآله وسلّم أن المسألة لا تحلّ إلاّ لواحد من ثلاثة: رجل تحمّل حَمالة : يعني التزمها في ذمّته لإصلاح ذات البين، فهذا يُعطى، أو له أن يسأل حتى يصيبها ثم يمسك ولا يسأل، ورجل آخر أصابته جائحة اجتاحت ماله، كنار وغرق وعدوّ وغير ذلك، فيسأل حتى يصيب قواما من عيش، والثالث رجل كان غنيّا فافتقر بدون سبب ظاهر، وبدون جائحة معلومة، فهذا له أن يسأل لكن لا يُعطى حتى يشهد ثلاثة مِن أهل العقول مِن قومه بأنه أصابته فاقة، فيُعطى بقدر ما أصابه مِن الفقر، فهؤلاء الثلاثة هم الذين تحلّ لهم المسألة، وما سوى ذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( فإنه سحت، يأكله صاحبه سحتاً ) : والسحت هو الحرام، وسمّي سُحتا، لأنه يسحت بركة المال وربما يسحت المال كلّه، فيكون عليه آفات وغرامات تسحت ماله، والله الموفّق.