شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب وآياته . حفظ
الشيخ : " باب النهي عن البخل والشح " : البخل منع ما يجب وما ينبغي بذله ، والشّحّ : الطمع فيما ليس عنده، وهو أشدّ من البخل، لأن الشّحيح يطمع فيما عند الناس ويمنع ما عنده، والبخيل يمنع ما عنده مما أوجب الله عليه من زكاة ونفقات ومما ينبغي بذله فيما تقتضيه المروءة.
وكلاهما أعني البخل والشّحّ خلقان ذميمان، فإن الله سبحانه وتعالى ذمّ من يبخلون ويأمرون الناس بالبخل وقال: (( ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون )).
ثمّ استدلّ المؤلف رحمه الله بآيتين من كتاب الله الأولى في البخل، وهي قوله تعالى: (( وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردّى )) ،وهذه الآيات قسيم الآيات التي قبلها وهي قوله تعالى: (( فأما من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى )) : فالإنسان المصدّق بالحقّ المعطي لما يجب إعطاؤه وبذله من علم ومال وجاه والمتّقي لله عزّ وجلّ هذا ييسّر لليسرى، يسّره الله تعالى لأيسر الطرق في الدّنيا والآخرة، وقد أجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه حينما حدّثهم قال : ( ما منكم من أحد إلاّ وقد كُتب مقعده من الجنّة ومن النار ) : يعني أن الأمر مفروغ منه، ( قالوا : يا رسول الله أفلا نتكّل وندع العمل؟ ) : يعني نتكّل على ما كتب لنا وندع العمل قال : ( لا، اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له، ثمّ قرأ قوله تعالى (( فأما من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى * ما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى )) ) ، فأنت فكّر في نفسك هل عندك تصديق وإعطاء وبذل لما يجب بذله وتقوى لله عزّ وجلّ ، فإنك موفّق ميسّر لليسرى، والعكس بالعكس، والشاهد من هذه الآية للباب قوله: (( وأما من بخل واستغنى )) : بخل بما يجب بذله من مال أو جاه أو علم، ومن ذلك ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( البخيل من إذا ذُكرت عنده لم يصلّ عليّ )، عليه الصلاة والسّلام، وهذا بخل بما يجب على الإنسان إذا سمع ذكر نبيّه عليه الصّلاة والسّلام الذي هداه الله على يديه، أن يبخل فلا يصلي عليه، عليه الصلاة والسلام، وقوله: (( واستغنى )) : أي استغنى بنفسه وزعم أنه مستغن عن رحمة الله والعياذ بالله، فلا يعمل ولا يستقيم على أمر الله، (( وكذب بالحسنى )) : أي كذّب بالكلمة الحسنى وهي قول الحقّ، وهي ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم.
(( فسنيسّره للعسرى )) : تعسر عليه الأمور التي تسهل على المتّقي، فلا تسهل عليه الطاعات، يجد الطاعات ثقيلة، الصّلاة ثقيلة والصّدقة ثقيلة، والصّيام ثقيل، والحجّ ثقيل، كلّ شيء متعسّر عنده.
(( وما يغني عنه ماله إذا تردّى )) : يعني أي شيء يغني عنه ماله إذا هلك؟! والجواب: أنه لا يغني شيئا، فهذا المال الذي بخل به لا يحميه من عذاب الله وعقابه، ولا يغني عنه شيئا.
وأما الآية الثانية التي استدل بها المؤلف فهي في الشّحّ وهي قوله تعالى : (( ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون )) : يعني من يقيه الله شحّ نفسه فلا يطمع فيما ليس له، فهذا هو المفلح.