شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف النووي -رحمه الله- في كتاب *رياض الصالحين، في باب: " النهي عن البخل والشّحّ " : قال عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) : اتقوا بمعنى احذروا، واتخذوا وقاية منه وابتعدوا عنه، والظلم: هو العدوان على الغير، الظلم هو العدوان على الغير، وأعظم الظلم وأشدّه الشرك بالله عزّ وجلّ قال الله تعالى: (( إن الشرك لظلم عظيم )) ويشمل الظلم ظلم العباد وهو نوعان: ظلم بترك الواجب لهم، وظلم بالعدوان عليهم لأخذ أو لانتهاك حرماتهم، فمثال الأول: ما ذكره النبي عليه الصّلاة والسلام في قوله: ( مطل الغنيّ ظلم ) : يعني ممانعة الإنسان الذي عليه دين عن الوفاء وهو غنيّ قادر على الوفاء ظلم، وهذا منع ما يجب، لأن الواجب على الإنسان أن يبادر بالوفاء إذا كان له قدرة، ولا يحل له أن يؤخّر، فإن أخّر الوفاء وهو قادر عليه كان ظالما والعياذ بالله، والظلم ظلمات يوم القيامة، وكل ساعة أو لحظة تمضي على المماطل فإنه لا يزداد بها إلاّ إثما والعياذ بالله، وربما يعسّر الله عليه أمره فلا يستطيع الوفاء، إما بخلا، وإما إعداما لأن الله تعالى يقول: (( ومن يتّق الله يجعل له من أمره يسرا ))، فمفهوم الآية أن مَن لا يتّقي الله لا يجعل له من أمره يُسرا، ولذلك يجب على الإنسان القادر أن يبادر بالوفاء إذا طلبه صاحبه أو أجّله وانتهى الأجل، ومِن الظلم أيضا اقتطاع شيء من الأرض، قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: ( من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين )، ومن الظلم الاعتداء على الناس في أعراضهم بالغيبة أو النّميمة أو ما أشبه ذلك، فإن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، فإن كان في حضرته فهو سبّ وشتم.
فإذا ظلم الناس بالغيبة بأن قال: فلان طويل، فلان قصير، فلان سيّء الخلق، فلان فيه كذا، فهذه غيبة ظلم يحاسب عليه يوم القيامة نسأل الله العافية، وكذلك أيضاً إذا جحد ما يجب عليه جحودا بأن كان لفلان عليه حقّ فيقول: ليس له علي حقّ يكتم، فإن هذا ظلم، لأنه إذا كان المماطلة ظلما فهذا أظلم، كمن جحد شيئا واجبا عليه فإنه ظالم، وعلى كلّ حال اتّقوا الظلم بجميع أنواعه فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، يكون على صاحبه والعياذ بالله ظلمات بحسب الظلم، الكبير ظلماته كبيرة، والكثير ظلماته كثيرة، وكلّ شيء بحسبه: (( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تُظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبّة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ))، وفي هذا دليل على أن الظلم من كبائر الذّنوب، لأنّه لا وعيد إلاّ على كبيرة من كبائر الذّنوب، فظلم العباد وظلم الخالق عزّ وجلّ رب العباد كلّه من كبائر الذّنوب، قال: ( واتّقوا الشّحّ ) : يعني الطمع، الطمع في حقوق الغير اتّقوه، احذروا منه، اجتنبوه، ( فإنه أهلك من كان قبلكم ) : يعني من الأمم أهلكهم، ( حملهم على أن استباحوا دماءهم وأعراضهم ) : والعياذ بالله فكانوا بذلك هلكى.