شرح ما تقدم قراءته من أحاديث الباب . حفظ
الشيخ : باب: " الإيثار والمواساة " : ذكر المؤلف هذا الباب عقب باب: " النهي عن البخل والشح " ، لأنهما متضادّان، فالإيثار أن يقدّم الإنسان غيره على نفسه، والمواساة أن يواسي غيره بنفسه، والإيثار أفضل، ولكن لِيعلم أن الإيثار ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول ممنوع، والثاني: مكروه أو مباح، والثالث: مباح.
أما الممنوع فأن تؤثر غيرك بما يجب عليك شرعا، فإنه لا يجوز أن تقدّم غيرك فيما يجب عليك شرعا، مثاله: إذا كان معك ماءٌ يكفي لوضوء رجل واحد، وأنت لست على وضوء، وفيه صاحب لك ليس على وضوء، فالماء لك، لكن إما أن يتوضّأ به صاحبك وتتيمّم أنت، أو تتوضّأ أنت ويتيمّم صاحبك، ففي هذه الحال لا يجوز أن تعطيه الماء، وتتيمّم أنت، لأنك واجد للماء والماء في ملكك ولا يجوز العدول عن الماء إلى التيمّم إلاّ لعادمه، فالإيثار في الواجبات الشّرعيّة حرام، ولا يحلّ، لأنّه يستلزم إسقاط الواجب عليك.
وأما المكروه أو المباح فالإيثار في الأمور المستحبّة كرهه بعض أهل العلم ، وأباحه بعضهم ، لكن تركه أولى لا شك إلا لمصلحة، مثاله: أن تؤثر غيرك في الصّفّ الأوّل الذي أنت فيه، مثل أن تكون أنت الآن في الصّف الأول في الصّلاة، فيدخل إنسان فتقوم عن مكانك وتؤثره به، فقد كره أهل العلم هذا، وقالوا: " إن هذا دليل على أنّ هذا الإنسان يرغب عن الخير، والرغبة عن الخير مكروهة " ، كيف تقدّم غيرك إلى مكان فاضل أنت أحقّ به منه؟! وقال بعض العلماء: " تركه أولى إلاّ إذا كان فيه مصلحة " ، كما لو كان أبوك وتخشى أن يقع في قلبه شيء عليك، فتؤثره بمكانك الفاضل فهذا لا بأس به.
القسم الثالث: المباح، وهذا المباح قد يكون مستحبّا وذلك أن تؤثر غيرك في أمر غير تعبّدي، تؤثر غيرك تقدّمه على نفسك في أمر غير تعبّدي، مثل أن يكون معك طعام وأنت جائع ، وصاحب لك جائع مثلك ، ففي هذه الحال إذا آثرته فإنّك محمود على هذا الإيثار ، لقول الله تبارك وتعالى في وصف الأنصار : (( والذين تبوّؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )) : ووجه إيثارهم على أنفسهم أن المهاجرين لما قدموا المدينة تلقّاهم الأنصار بالإكرام والإحترام والإيثار بالمال، حتى إن بعضهم يقول لأخيه المهاجري يقول : إن شئت أن أتنازل عن إحدى زوجتيّ لك فعلت من شدّة إيثارهم رضي الله عنهم لإخوانهم المهاجرين، وقال تعالى: (( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً )) : يعني يطعمون الطعام وهم يحبّونه مسكينا ويتيما وأسيرا ، ويتركون أنفسهم هذا أيضًا من باب الإيثار.