شرح ما تقدم قراءته من آيات الباب . حفظ
الشيخ : قال المؤلف النووي -رحمه الله- في رياض الصالحين : " باب ذكر الموت وقصر الأمل " : يعني هذا الباب يذكر فيه المؤلف رحمه الله أنه ينبغي للعاقل أن يتذكّر الموت، وأن يقصّر الأمل، يعني الأمل في الدّنيا، وليس الأمل في ثواب الله عزّ وجلّ وما عنده من الثواب الجزيل لمن عمل صالحا، لكن الدّنيا لا تُطيل الأمل فيها، فكم من إنسان أمّل أملا بعيدا فإذا الأجل يَفجؤه، كم من إنسان يقدّر ويفكّر سيفعل ويفعل ويفعل، فإذا به قد انتهى أجله وترك ما أمّله وانقطع حبل الأمل وحضر الأجل، والذي ينبغي للإنسان العاقل أنه كل ما رأى من نفسه طموحا إلى الدّنيا وانشغالا بها واغترارا بها أن يتذكّر الموت، ويتذكّر حال الآخرة لأن هذا هو المآل المتيقّن، وما يؤمّله الإنسان في الدّنيا فقد يحصل وقد لا يحصل : (( من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء )) : لا ما يشاء هو بل ما يشاء الله عزّ وجلّ ، (( ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنّم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا )).
ثمّ ذكر الآيات منها : (( كلّ نفس ذائقة الموت وإنما توفّون أجوركم يوم القيامة )) : كل نفس ، فكلّ نفس منفوسة من بني آدم وغير بني آدم ذائقة الموت، لا بدّ أن تذوق الموت، وعبّر بقوله: (( ذائقة )) : لأن الموت يكون له مذاق، مذاق مرّ يكرهه كلّ إنسان، لكن المؤمن إذا حضره أجله وبشّر بما عند الله عزّ وجلّ أحبّ لقاء الله، ولا يكره الموت حينئذ، قال تعالى: (( وإنما توفّون أجوركم يوم القيامة )) أي : تعطونها وافية كاملة يوم القيامة، وإن أوتي الإنسان أجره في الدّنيا فإنه ليس هذا هو الأجر فقط، بل الأجر الوافي الكامل الذي به يستوفي الإنسان كلّ أجره يكون يوم القيامة، وإلاّ فإن المؤمن قد يثاب على أعماله الصّالحة في الدّنيا لكن ليس هو الأجر الكامل الذي وفى، التوفية الكاملة تكون يوم القيامة : (( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز )) : زحزح يعني : أُبعد (( عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز )) ، لأنه نجى من المكروه وحصل له المطلوب، نجى من المكروه وهو دخول النار، وحصل له المطلوب وهو دخول الجنّة، وهذا هو الفوز العظيم الذي لا فوز مثله.
(( وما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور )) : صدق الله عزّ وجلّ، الدّنيا متاع الغرور، يعني متاع ليست دائما، بل كما يكون للمسافر متاعه، يصل به إلى منتهى سفره، ومع ذلك فهي متاع الغرور: تغرّ الإنسان، تزدان له وتزدهر وتكتحل وتتحسّن وتكون كأحسن شيء، ولكنها تغرّه، كلّما كثرت الدّنيا وتشبّث الإنسان بها بعُد من الآخرة ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( والله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدّنيا فتتنافسونها كما تنافسها من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم )، ولهذا نجد الإنسان أحيانا يكون في حال الضّيق أو الوسط خير له من حال الغنى، يغرّه الغنى ويطغيه والعياذ بالله ولهذا قال: (( وما الحياة الدّنيا إلاّ متاع الغرور )) : يعني فلا تغتروا بها، وعليكم بالآخرة التي إذا زحزح فيها الإنسان عن النار وأدخل الجنّة فإنه بذلك يفوز فوزا لا فوز مثله، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن أُوتي في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاه الله عذاب النار.