شرح ما تقدم قراءته من آيات الباب . حفظ
الشيخ :بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله- محيي الدين النووي في كتابه *رياض الصّالحين في باب: " ذكر الموت وقصر الأمل :
(( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون )) "
:
أمر الله بالإنفاق مما رزقنا أي مما أعطانا، وحذّرنا مما لا بدّ منه : (( من قبل أن يأتي أحدكم الموت )) وحينئذ يندم الإنسان على عدم الإنفاق، ويقول: (( ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب )) : يتمنّى أن الله يؤخّره إلى أجل قريب، (( فأصّدق وأكن من الصالحين )) : يعني فبسبب تأخيرك إياي أتصدّق وأكن من الصالحين، قال الله عزّ وجلّ: (( ولن يؤخّر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون )) : إذا جاء الأجل لا يمكن أن يتأخر الإنسان ولا لحظة، بل لابدّ أن يموت في المدّة التي عيّنها الله عزّ وجلّ على حسب ما تقتضيه حكمته، فمن الناس من يطول بقاؤه في الدّنيا ومن الناس من يقصر، كما أن من الناس من يكثر رزقه ومنهم من يقلّ، ومنهم من يكثر علمه ومنهم يقلّ، ومنهم من يقوى فهمه ومنهم من يضعف، ومنهم من يكون طويلا ومنهم من يكون قصيرا، فالله عزّ وجلّ خلق عباده متفاوتين في كلّ شيء، وقال الله عزّ وجلّ: (( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )) : فنهى الله تعالى عن أن تلهينا أموالنا وأولادنا عن ذكر الله، وبيّن أن مَن ألهته عن ذكر الله هو خاسر مهما ربح، لو ربح أموالاً كثيرة وكان عنده بنون، وكان عنده أهل، ولكنّه قد تلهّى بهم عن ذكر الله، فإنه خاسر، إذن من هو الرابح؟ الرابح من اشتغل بذكر الله عزّ وجلّ، وذكر الله ليس هو قول: لا إله إلاّ الله فقط، بل كل قول يقرّب إلى الله فهو ذكر له، وكلّ فعل يقرّب إلى الله فهو ذكر له، كما قال تعالى: (( وأقم الصّلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون )) ، ولأن الإنسان إذا قال قولا يتقرّب به إلى الله، أو فعلا يتقرّب به إلى الله، فهو حين النّيّة ذاكر لله عزّ وجلّ، فذكر الله يشمل كلّ قول أو فعل يقرّب إليه قال: (( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت )) : إذا جاء أحدهم أي: أحد المكذّبين للرسل، (( إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون )) : ارجعوني إلى الدّنيا، (( لعلّي أعمل صالحا فيما تركت )) : ولم يقل: لعلّي أتمتّع في قصورها وحبورها ونسائها وغير ذلك بل قال: (( لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت )) أي: فيما تركت من المال الذي بخلت به حتّى أنفقه في سبيل الله، قال الله تعالى: (( كلاّ )) يعني لا رجوع، ولا يمكن الرّجوع، لأنه إذا جاء الأجل فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، ثم قال: (( إنها كلمة هو قائلها )) : هذه الكلمة يؤكّد الله عزّ وجلّ أنه يقولها وهي قوله: (( رب ارجعون لعلّي أعمل صالحا فيما تركت ))، (( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )) : يعني مِن أمام هؤلاء الذين حضرتهم الوفاة : (( برزخ إلى يوم يبعثون )) ، والبررزخ : هو الفاصل بين الدّنيا وبين قيام الساعة سواءٌ كان الإنسان مدفونا في الأرض أو على ظهر الأرض تأكله السّباع .