تتمة شرح قوله تعالى (( .. ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ... )). حفظ
الشيخ : فالمهمّ أن الله نهانا أن نكون كالذين أوتوا الكتاب من قبل فقست قلوبهم، ولكن صار الكثير منّا في الوقت الحاضر متشبّها بهؤلاء الذين قست قلوبهم، وكثير من هؤلاء أيضا فسقوا عن أمر الله، وخرجوا عن طاعة الله، ثم قال المؤلف : " والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة " : وأما الأحاديث فمنها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( أخذ النبيُ صلى الله عليه وسلم بمنكبي ) : يعني أمسك به، والمنكب أعلى الكتف، أخذ به من أجل أن ينتبه ابن عمر لما سيلقي إليه الرسول عليه الصّلاة والسلام من القول، وهذا من حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، فإنه عليه الصّلاة والسّلام كان إذا تكلّم اتّخذ الأسباب التي توجب انتباه المخاطَب إما بالفعل كما هنا، وإما بالقول كما في قوله: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله ) : فهذا يلقى عليهم لأجل أن ينتبهوا، ( أخذ بمنكبي وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) : سبحان الله! أعطى الله نبيّه جوامِعَ الكلم، هاتان الكلمتان يمكن أن تكونان نبراسًا يسير عليه الإنسان في حياته، ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) : والفرق بينهما أن عابر السبيل ماشي، يمر بالقرية وهو ماش منها، وأما الغريب: فهو مقيم فيها حتّى يرتحل عنها، يقيم فيها يومين أو ثلاثة أو عشرة أو شهرا، وكل منهما لا عابر السبيل ولا الغريب كلّ منهما لم يتّخذ القرية التي هو فيها لم يتّخذها وطنا وسكنا وقرارا، فيقول الرسول عليه الصّلاة والسّلام : كن في الدّنيا كهذا الرجل إما غريب أو عابر سبيل، والغريب والعابر السبيل لا يستوطن، يريد أن يذهب إلى أهله، إلى بلده، لو أن الإنسان عامل نفسه في هذه الدّنيا بهذه المعاملة لكان دائما مشمّرا للآخرة، لا يريد إلاّ الآخرة، ولا يكون أمام عينيه إلاّ الآخرة، حتى يسير إليها سيرا يصل به إلى مطلوبه، نسأل الله أن يوفّقنا وإياكم لما فيه الخير والصّلاح.
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ) رواه البخاري ".